||
اخر ألاخبار
المتواجدون حالياً
المتواجدون حالياً :39
من الضيوف : 39
من الاعضاء : 0
عدد الزيارات : 35362845
عدد الزيارات اليوم : 9385
أكثر عدد زيارات كان : 59321
في تاريخ : 18 /01 /2020
أساليب نشأة الدساتير

ينصب الحديث في أساليب نشأة الدساتير على الدساتير المدونة دو الدساتير غير المدونة ، لان الأخيرة كانت وما زالت تستمد نصوصها من مصدرين فقط ، هما العرف وأحكام القضاء. وظهر الحديث عن أساليب نشأة الدساتير ، مع ظهور أول دستور مكتوب في العالم ، هو دستور الاتحاد الأمريكي لسنة 1787، ومن أمريكا انتقلت فكرة الدساتير المدونة إلى فرنسا حيث صدر أول دستور مكتوب فيها سنة 1791، وأعقب ذلك اطراد الأخذ بالدساتير المدونة ، في مختلف أنحاء العالم ، إذ صدر الدستور البافيري سنة 1818ثم البلجيكي سنة 1831 والإيطالي سنة 1848، ثم البروسي سنة 1850 والأرجنتيني سنة 1853 والدينماركي سنة 1866 فالنمساوي سنة 1867 والكندي 1867 والألماني سنة 1871 ثم الدستور الفدرالي السويسري لسنة 1874 فالأسترالي سنة 1900والروسي سنة 1906 ودستور موناكو سنة 1911.

وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى وما خلفته من كوارث وويلات ، وتغيير في خريطة العالم وتبادل في المراكز الاستعمارية ، تناما الشعور الشعبي والأصوات الداعية إلى الاستقلال ومنح الشعوب حق تقرير مصيرها ، وساد الاعتقاد آنذاك أ، من بين أهم وسائل حماية حقوق الشعوب من الاضطهاد والتسلط ، هو منحها دساتير مدونة يثبت فيها حقوقها بشكل واضح لا يقبل التسويف والمماطلة ، فصدر أول دستور مدون في أعقاب تلك الحرب هو الدستور الروسي لسنة 1918 ثم الألماني لسنة 1919 والفنلندي لسنة 1919و الجيكوسلفاكي لسنة 1920 والنمساوي لسنة 1920 والبولوني لسنة 1921 والإثيوبي لسنة 1921 والروماني لسنة 1923 والتركي لسنة 1924 والأسباني لسنة 1931.

ولم تكن الأقطار العربية التي نالت استقلالها حديثا بعيدا عن حركة الدساتير المدونة ، فظهر أول دستور مدون في سوريا سنة 1920ثم مصر سنة 1923 فالعراق سنة 1925 ولبنان سنة 1926 وشرق الأردن 1928.

والملاحظ ان حركة تدوين الدساتير لم تنتشر في أفريقيا إلا في فترة متأخرة ، ربما لأن أقطار هذه القارة لم تنل استقلالها إلا في فترات متأخرة ، فباستثناء مصر ، ظهر أول دستور مدون في القارة سنة 1954 في مدغشقر، وأعقب ذلك انتشار الدساتير المدونة ، فأخذت غينيا بالدستور المدون سنة 1958 وساحل العاج سنة 1960 والكاميرون 1960 وفولتا العليا سنة 1960 والنيجر سنة 1960 والكابون سنة 1961.

وتتابين أساليب نشأة الدساتير بتباين الظروف والأوضاع المحيطة بهذه النشأة ، ذلك أن كل دستور هو وليد الظروف الموضوعية التي أحاطت به سواء بالنسبة لنشأته أ, مضمونه .

ودرج الفقه الدستوري على تقسيم أساليب نشأة الدساتير إلى الأساليب غير الديمقراطية ، والأساليب الديمقراطية ، ويندرج ضمن الأساليب غير الديمقراطية ويندرج ضمن الأساليب غير الديمقراطية فتضم أسلوبي " الجمعية التأسيسية " وأسلوب الاستفتاء الدستوري .

والواقع أن تقسيم أساليب نشأة الدساتير إلى أساليب ديمقراطية وغير ديمقراطية ، ارتبط تاريخيا بتطور فكرة السيادة في الدولة ، فقد كان الملوك يعتبرون أنفسهم أصحاب السيادة في الدولة ، ومن ثم كان من الطبيعي أن يختصوا دون سواهم بوضع الدستور ، فكان يصدر عنهم في شكل منحه إلى الشعب ومع ظهور وانتشار نظرية العقد الاجتماعي ، بدأ الشعب يرى في أسلوب المنحة أنه لا يحقق أماله وطموحاته ولا يعبر عن تطلعاته في المشاركة في السلطة ، فبدأ بمقاومة الحكام وسلطاتهم المطلقة ، وتتوج نضاله هذا بالمشاركة فيوضع الدستور حيث حل أسلوب العقد محل المنحة في وضع الدستور .

ومع ظهور وانتشار الأفكار الديمقراطية التي تجعل الأمة أو الشعب صاحب السيادة ظهرت الأساليب الديمقراطية في وضع الدساتير ، إذ بدأ الشعب يشترك بوضع الدستور بصورة مباشرة عن طريق الاستفتاء الدستوري أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الجمعية التأسيسية .

والجدير بالذكر أن ظهور وانتشار الأساليب غير الديمقراطية في وضع الدساتير لا يعني بالضرورة زوال الأساليب غير الديمقراطية في وضعها ، ففي القرن العشرين وضعت عدة دساتير عن طريق المنحة ومن بين هذه الدساتير ، دستور موناكو لسنة 1911 والدستور المصري لسنة 1923 والدستور الإثيوبي لسنة 1931، كما وضعت دساتير أخرى عن طريق العقد ، ومن بين هذه الدساتير الدستور العراقي لسنة 1925والدستور اللبناني 1926 والدستور الكويتي لسنة 1962 والدستور السوداني لسنة 1973.

 

المبحث الأول : الأساليب غير الديمقراطية في وضع الدساتير

بموجب هذا الأسلوب تنفرد إرادة الحاكم في وضع الدستور ( المنحة ) أو تشترك مع إرادة الشعب (العقد) فتتخذ الوثيقة الدستورية صورة عقد بين هاتين الإداريتين ، ويطلق بجانب من الفقه على هذه الأساليب في وضع الدساتير، الأساليب الملكية ، باعتبار أن الأخذ بهذه  الأساليب غالبا ما يحدث في ظل الأنظمة الملكية  ، والواقع إن الربط بين الأساليب غير الديمقراطية في وضع الدساتير والأنظمة الملكية أمر غير مقبول على إطلاقه ، لأن هناك العديد من الدول ذات الأنظمة الجمهورية تبنت هذا الأسلوب في وضع دساتيرها كما في الدستور اللبناني لسنة 1926 والدستور السوداني لسنة 1973، هذا إضافة إلى أن هناك العديد من الدولة ذات الأنظمة الملكية أخذت بالأساليب الديمقراطية في وضع دساتيرها ، ومن بينها ليبيا في دستور سنة 1951 الملكي ، حيث تم وضع هذا الدستور عن طريق الجمعية التأسيسية.

المطلب الأول : أسلوب المنحة

يمثل أسلوب المنحة في وضع الدساتير ، مرحلة الانتقال من نظام الملكية المطلقة ، إلى نظام الملكية المقيدة إذ ترتب عليه تقرير حقوق الأمة والطوائف في مواجه الملك ، وتحديد طريقة ممارسة الملك لحقه في السيادة الذي لم يعد تحكميا مطلقا.

وبموجب أسلوب المنحة يستقل الحاكم بوضع الدستور ، فيتنازل بوصفه صاحب السيادة عن بعض سلطاته للشعب في صورة مواثيق أو عهود ، ويعد الدستور في هذه الحالة ملكية وتنزل من جانب الحاكم عن بعض حقوق السيادة التي يملكها .

وصدور الدستور بطريقة المنحة ، قد يكون هبة تلقائية من الحاكم ، أي يمحض إرادته وغالبا ما يصدر الدستور بهذه الطريقة تحت ضغط الشعوب على الحاكم نتيجة لزيارة وتنامي وعيها السياسي وإدراكها لضرورة حصولها  على وثيقة دستورية تصون وتحمي حقوقها وحرياتها .

والواقع إن هذه الظروف والأحداث تشير إلى الأسباب الحقيقة لمنح الحكام الوثيقة الدستورية للشعب لا تغير من الوصف القانوني لنشأة الدستور ما دام إن الدستور قد وضع من قبل الحاكم وحدة ، وجرى الحاكم  على الإشارة في ديباجة الدستور إلى رغبتهم في إسعاد شعوبهم وعزمهم على فسح بعض المكان لإرادة الشعب .

ومن الدساتير التي صدرت بطريقة المنحة ، الدستور الفرنسي لسنة 1814 والدستور البافيري لسنة 1818والدستور الإيطالي لسنة 1848 والدستور الياباني لسنة 1889والدستور الروسي لسنة 1906 ودستور موناكو لسنة 1911 والدستور المصري لسنة 1923 ودستور شرق الأردن لسنة 1928 والدستور الإثيوبي لسنة 1931.

ويثار التساؤل بشأن إمكانية سحب الدستور بإدارة الملك المنفردة ، وللإجابة على هذا التساؤل نشير إلى أن الفقه أنقسم إلى اتجاهين ، ذهب الاتجاه الأول ، إلى أن للملك سحب الدستور في أي وقت يشاء على أساس أن من يملك المنح يملك السحب والتعديل ، ما لم يكن الحاكم قد تنازل عن ذلك صراحة ن في صلب الوثيقة الدستورية ، ويذهب هذا الاتجاه في تأيد وجهة نظرة إلى أن المنحة قد جرى تكيفها من الناحية النظرية على أنها إجراء حر منفرد ، من هنا يكون للحاكم العدول عن رأيه بإرادته المنفردة .

أما الاتجاه الثاني والذي مثل غالبية رأي الفقه ، فيذهب إلى أن ليس للحاكم العدول عن رأيه وسحب الدستور الذي سبق وأن منحه للشعب ، حيث أن هناك حقوق للأمة قد تعلقت بالدستور ليس للحاكم المساس بها ، إلا بموافقة الأمة ووفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إن الحاكم ذات السلطة المطلقة يعتبر من حيث المبدأ مغتصبا للسلطة من الشعب صاحب السيادة ، فإذا أعادها إليه عن طريق الدستور الممنوح له ليس له الرجوع في المنحة أو تعديلها وإلا عط ذلك تجديدا للغصب ، هذا إضافة إلى أن صدور الدستور في شكل منحه عن طريق الإدارة المنفردة للحاكم لا يمنحه حق الرجوع فيها من تلقاء نفسه ، لأن الإدارة المنفردة تكون مصدرا لالتزامات إذا ما لاقت قبولا من الطرف الأخر ، وبناء على ذلك فإن قبول الأمة للدستور يحول بين الحاكم وبين إمكانية سحبه أو تعديله .

وبالرغم من أن الرأي الغالب في الفقه يذهب إلى أن ليس للحاكم بإرادته المنفردة الرجوع عن الدستور الذي منحه للشعب ، إلا أن هذا الرأي يبدو نظريا أكثر منه واقعيا ، فالتاريخ الدستوري يشير إلى عدة حالات ، عدل فيها الحاكم عن رأيه وبادر إلى سحب الدستور الذي سبق وإن منحه للشعب ، ففي فرنسا بادر الملك شارل العاشر سنة 1830 إلى سحب دستور سنة 1814 بإرادته المنفردة ، لأن الشعب على حد قوله ( شارل العاشر) ( اظهر نكرانا للجميل وجحود للمنحة) وفي مصر قام الملك فؤاد بسحب دستور سنة 1923، وأحل محله دستور سنة 1930 الذي كان يقوي سلطاته على حساب البرلمان .

 

المطلب الثاني : أسلوب العقد

يمثل أسلوب العقد مرحلة وسط بين الأساليب غير الديمقراطية والأساليب الديمقراطية في وضع الدساتير ، ولم يظهر هذا الأسلوب إلا نتيجة لنضال الشعب ضد الملوك لحملهم على الاعتراف بحقه في مشاركتهم في السلطة التأسيسية الأصلية ، ففي إنجلترا ثار الأشراف ضد الملك وهزموا جيشه وأرغموه على التوقيع على العهد الأعظم سنة 1215الذي يعتبر مصدرا للحقوق والحريات في بريطانيا حتى اليوم ولم يتم وضع وثيقة الحقوق سنة 1688إلا نتيجة لثورة الشعب الإنجليزي ضد الملك وفي فرنسا وضع دستور سنة 1830 في أعقاب الثورة على الملك شارل العاشر حيث أرغمته تلك الثورة على التنازل عن العرش .

وبموجب هذا الأسلوب يصدر الدستور باتفاق بين الحاكم والشعب (جمعية) الأمر الذي يفترض أن يتمتع كل من الطرفين بالحق في مناقشة شروط الاتفاق ورفضها عند اللزوم، على ذلك لا تنفرد إرادة الحاكم بوضع الدستور كما في أسلوب المنحة ، كما لا تنفرد إرادة الأمة بذلك، كما في أسلوب الجمعية التأسيسية .

ويتم وضع الدستور عن طريق مشروع يقترحه ممثلو الشعب ويعرض هذا المشروع على الحاكم الذي يوافق عليه ويوقعه ، ويرى جانب من الفقه أنه ليس هناك ما يمنع في أسلوب العقد من أن يتم وضع الدستور بطريقة غير مباشر، عن طريق الموافقة على مشروع الدستور في استفتاء عام ، ويلزم في هذه الحالة موافقة الحاكم أيضا ، باعتبار أن وضع الدستور عن طريق العقد هو نتائج إرادتي الشعب والحاكم.

وأما م هذا العمل المشترك بين الشعب والحاكم في وضع الوثيقة الدستورية ، ليس لأي منهما ( الشعب – الحاكم ) بإرادته المنفردة الخروج عليها أو إلغائها فأي عمل ينصب على الوثيقة الدستورية لابد أن يصدر بإرادة مشتركة .

ومن الدساتير التي صدرت بأسلوب العقد ، الدستور الفرنسي لسنة 1830، والدستور اليوناني لسنة 1844 والدستور الروماني لسنة 1864 والدستور البلغاري لسنة 1879. وتبنت العديد من الدول العربية هذا الأسلوب في وضع دساتيرها ، ومن بينها القانون الأساسي العراقي لسنة 1925، حيث حاء في ديباجة هذا الدستور ( نحن ملك العراق ... بناء على ما أقره المجلس التأسيسي صادقنا على القانون الأساسي وأمرنا بوضعها موضع التنفيذ ) وأخذ بها الأسلوب أيضا الدستور الأردني لسنة 1946 وسنة 1952 فقد جاء في ديباجة هذا الدستور ( نحن طلال الأول ملك المملكة الأردنية الهاشمية بمقتضى المادة الخامسة والعشرين من الدستور وبناء على ما اقره مجلس الأعيان والنواب نصدق على الدستور المعدل الأتي ونأمر بإصداره ) وتبنى ذات الأسلوب الدستور الكويتي لسنة 1962، حيث تم وضع الدستور من قبل المجلس التأسيسي وصدق عليه الأمير وأصدره .

تقدير أسلوب العقد .

مما لا شك فيه أن أسلوب العقد في وضع الدساتير ، أكثر ديمقراطية من أسلوب المنحة ، كونه يشترك الشعب إلى جانب الحاكم في وضع نصوص الوثيقة الدستورية ، وربما كان دور الشعب أكبر من دور الحاكم باعتبار أن نصوص الوثيقة الدستورية يجري وضعها من قبل الشعب، وما على الحاكم إلا المصادقة على هذه النصوص أو إبداء الرأي غير الملزم فيها ، حيث تخضع الملاحظات التي يبديها الحاكم لمناقشة الشعب .

وبالرغم من ذلك لا يعد هذا الأسلوب من أساليب  وضع الدساتير أسلوبا ديمقراطيا لأنه يجعل الحاكم يقف على قدم المساواة مع الشعب في السيادة ، في حين أن الشعب هو صاحب الحق الأصلي  في السيادة .

البحث الثاني : الأساليب الديمقراطية في وضع الدساتير

تعد السلطة المختصة بتشريع الدستور ، أعلى سلطة تأسيسية في الدولة ، من هنا كان لا بد من تفويض هذه السلطة للشعب ، باعتباره صاحب السيادة في الدولة ومصدر جميع السلطات .

وتعبر الأساليب الديمقراطية في نشأة  الدساتير عن انتصار إرادة الشعب على إرادة الحاكم ، حيث ينفرد الشعب وفق هذه الأساليب بوضع الدستور أما عن طريق الجمعية التأسيسية أو الاستفتاء الدستوري .

المطلب الأول : أسلوب الجمعية التأسيسية

يعد هذا الأسلوب تطبيقا لمبدأ الديمقراطية النيابية ، حيث ينتخب الشعب بموجب هذا الأسلوب هيئة نيابية ينيط بها مهمة وضع الدستور ن وتسمى هذه الهيئة الجمعية التأسيسية أو الهيئة التأسيسية ، ويصبح الدستور نافذا بمجرد انتهاء الجمعية التأسيسية من إعداده دون أن يتوقف نفاذه على موافقة الحاكم أو الشعب ، إذ خول الأخير ( الشعب) الجمعية صلاحية تشريع الدستور نيابة عنه .

ولكي يكون الدستور صادرا عن الجمعية التأسيسية ، لابد أن يجري اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية عن طريق الانتخاب المباشر ، على ذلك لا يعد الدستور صادرا عن الجمعية التأسيسية متى تم تعين أعضاء الجمعية من قبل السلطة الحاكمة ، كما لا يعد من هذا القبيل إذا جرى وضع الدستور من قبل السلطة التشريعية وأن كانت هذه السلطة منتخبة من قبل الشعب ، لأن هذه السلطة ، هي سلطة منشأة وظيفتها سن التشريعات العادية ن من هنا لا يعد دستور سنة 1791 الفرنسي دستورا صادرا عن الجمعية التأسيسية ، حيث جرى تشريعه م قبل هيئة نيابية أطلق عليها وكانت مهمتها سن التشريعات من قبل هيئة نيابية أطلق عليها وكانت مهمتها سن التشريعات العادية ، وفي أعقاب الثورة أطلقت على نفسها .

ويعود هذا الأسلوب في نشأته إلى التجربة الأمريكية حيث ألزم مؤتمر فيلادلفيا الذي جمع الولايات المستقلة عن التاج البريطاني ، ألزم كافة الولايات بأن تعد دساتيرها بأسلوب يؤكد فلسفة العقد الاجتماعي ، وتنفيذا لهذا  القرار انتخبت كل ولاية جمعية تأسيسية تتولى إعداد الوثيقة الدستورية الخاصة بها ، وأعقب ذلك صدور دستور الاتحاد الفدرالي لسنة 1787 عن طريق الجمعية التأسيسية أيضا .

ومن الولايات المتحدة أنتقل هذا الأسلوب إلى فرنسا ، حيث صدر دستور سنة 1793 ودستور سنة 1848 ودستور سنة 1875 عن طريق الجمعية التأسيسية ومن فرنسا انتقل هذا الأسلوب إلى باقي الدول الأوروبية ، حيث أخذت بكل من بلجيكا في دستور سنة 1831 وألمانيا في دستور سنة 1919 والنمسا في دستور سنة 1920وتركيا في دستور سنه 1924 واسبانيا في دستور سنه 1931 ويوغسلافيا  في دستور سنة 1946وايطاليا في دستور سنة 1948 ورومانيا في دستور سنة 1948 والمجر في دستور سنة 1949 والهند في سنة 1949 و الباكستان في دستور سنة 1956.

ولم تكن البلاد العربية  بعيدة عن هذا التحول الدستوري الديمقراطي ، فقد أخذ بهذا الأسلوب كل من الدستوري لسنة  1950 والدستور الليبي لسنة 1951.

والجدير بالذكر إن  مهمة الجمعية التأسيسية تتحدد بوضع الوثيقة الدستورية ، ودون أن تنصرف مهمتها إلى وضع القوانين العادية ، من هنا ينتفي سندها القانوني من تاريخ انتهائها من وضع الدستور وإقراره وإصداره .

تقرير أسلوب الجمعية التأسيسية .

من المسلم به إن وضع الدستور عن طرق الجمعية التأسيسية أسلوب أكثر ديمقراطية من أسلوب وشع الدستور عن طريق المنحة والعقد ، حيث يعد الشعب ولو من الناحية النظرية هو المهيمن على وضع نصوص الوثيقة الدستورية ، وغالبا ما تجري مناقشة مستفيضة لنصوص الدستور قبل إقراره .

ولكن ما يؤخذ عليه ، إن الجمعية التأسيسية قد تنفصل عن الشعب بمجرد انتخابها ن وبالتالي لا تأتي نصوص الدستور معبرة عن أمال الشعب وتطلعاته .

هذا إضافة إلى أن هذه الهيئة غالبا ما تجد نفسها بعد انتخابها أنها تجمع بين يديها السلطتين التأسيسية والتشريعية ، وهذا ما قد يدفعها إلى التدخل في شؤون السلطتين التنفيذية والقضائية ، بل أن جانب من الفقه يذهب إلى تشبيه العلاقة بينها وبين السلطة التنفيذية ، بعلاقة البرلمان بالحكومة في نظام حكومة الجمعية .

المطلب الثاني : أسلوب الاستفتاء الدستوري

إذا كان وضع الدستور عن طريق الجمعية التأسيسية تعبيرا عن الديمقراطية النيابية ، فإن أسلوب الاستفتاء الدستوري هو تعبيرا عن الديمقراطية شبه المباشرة ، حيث يشترك الشعب إلى جانب الهيئة النيابية المنتخبة في وضع نصوص الوثيقة الدستورية .

وبموجب هذا الأسلوب يتم وضع الدستور عن طريق جمعية نيابية أو لجنة فنية تقوم بمجرد تحضير وإعداد نصوص الوثيقة الدستورية ، ويعرض هذا المشروع على الشعب لاستفتائه ، وعلى سبيل المثال جرى إعداد مشروع دستور سنة 1946 ومشروع دستور سنة 1958 من قبل لجنة حكومية قم بتشكيلها (ديجول) لهذا الغرض بعد أن وضع لها الأسس التي تعتمدها في وقع المشروع ، في حين تم إعداد مشروع دستور سنة 1793 الفرنسي من قبل جمعية منتخبة من قبل الشعب .

أيا كان أسلوب وضع مشروع الدستور ، سواء أكان من قبل هيئة معينة أو جمعية تأسيسية منتخبة ، فإنه يشترط لصدور الوثيقة الدستورية ونفاذها وجوب عرضها على الاستفتاء الدستوري وموافقة الشعب عليها ، فإن لم ينل هذا المشروع على تأييد الشعب أصبح كان لم يكون وإن تم وضعه من قبل جمعية تأسيسية، ومثل هذا ما حدث في المشروع الأول لدستور الجمهورية الرابعة الفرنسية ، حيث عرض هذا المشروع في مايو سنة 1946 على الشعب ولم يلق هذا المشروع التأييد ، ونتيجة لذلك جرى استبداله بمشروع أخر عرض على الشعب في أكتوبر 1946 وحصل هذا المشروع على تأييد غالبية الشعب .

وتشير التجارب الدستورية إلى أن الاستفتاء الدستوري استخدام أساسا لتحقيق غرضين :

الأول – استبيان رأي الشعب في مسألة  سياسية هامة يتوقف عليها وضع الدستور ، كما في استفتاء الشعب اليوناني سنة 1946على عودة النظام الملكي واستفتاء الشعب الإيطالي سنة 1947 على إعلان الجمهورية .

الثاني- استفتاء الشعب على مشروع تم وضعه من قبل هيئة فنية معينة أو جمعية تأسيسية منتخبة ، كما في استفتاء الشعب الفرنسي على دستور الجمهورية الرابعة والخامسة واستفتاء شعب الولايات الأمريكية والسويسرية على دساتير الولايات ، واستفتاء الشعب المصري على دستور سنة  1956.

تقدير أسلوب الاستفتاء الدستوري .

بالرغم من أن أسلوب الاستفتاء الدستوري ، هو أكثر الأساليب ديمقراطية في وضع الدساتير، حيث يبدي الشعب رأيه فيه بصورة مباشرة ، إلا أن جانب من الفقه فضل عليه أسلوب الجمعية التأسيسية .

والواقع أن نقطة الخلاف بين الرأيين لا ينصب تحديدا على أسلوب وضع الدستور ، ولكن ينصب على أسلوب ممارسة الشعب السلطة ، فالذين يفضلون أسلوب ممارسة السلطة من قبل الشعب مباشرة ( الديمقراطية المباشرة) يرون في وضع الدستور عن طريق الاستفتاء أكثر ديمقراطية من وضعه عن طريق الجمعية التأسيسية .

وخلافا لذلك يرى أنصار الديمقراطية غير المباشرة إن الأسلوب الأمثل لوضع الدساتير هو أسلوب الجمعية التأسيسية ، حيث يرى أنصار هذا الاتجاه أن الجمعية التأسيسية أقدر من الشعب على وضع ومناقشة نصوص الوثيقة الدستورية بحكم تخصصها الفني  .

وبالرغم من انتشار وشيوع أسلوب الاستفتاء الدستوري ، إلا أنه لا ينجو من النقد فقد وجد خصومه ، أن هذا الأسلوب يعاني من العديد من السلبيات :-

  1. انه يؤدي إلى أضعاف سيطرة الأحزاب السياسية على هيئة الناخبين وفي ذلك هدم لأهم ركائز الديمقراطية القائمة على حرية الرأي ووجود معارضة سياسية ، والواقع إن الاستفتاء الدستوري لا يتعارض مع حرية الرأي ووجود الأحزاب السياسية ولا ينكر حق المعارضة أو التصارع بين الآراء والاتجاهات المختلفة ، فهو وأن كان يضعف سيطرة الأحزاب السياسية على الناخبين ، إلا أنه لا ينكر حرية الرأي ولا يمنع قيام الأحزاب السياسية .
  2. إن الحكومة غالبا ما تلجأ إلى التأثير على إرادة الشعب عن طريق الضغط السياسي أو الإكراه المعنوي أو التدخل المباشر في إجراءات الاستفتاء أو عن  طريق استخدام الدعاية ووسائل الأعلام السياسي من أجل التأثير على نتيجة الاستفتاء، ونرى أن هذا المأخذ لا يسجل على الاستفتاء الدستوري تحديدا ، بل يسجل على الاستفتاء عموما ، هذا إضافة إلى أن الدولة إذا أرادت التدخل يمكن أن يكون تأثيرها على الجمعية التأسيسية أكبر من تأثيرها على إرادة الشعب المستفتي على الدستور.
  3. الدستور أعلى وثيقة قانونية في الدولة ، بموجبها يتم تنظيم وإرسال أسس الدولة ونظامها السياسي والعلاقة بين السلطات وتنظيم وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، وإذا كان للدستور مثل هذه الأهمية ، فكيف يمنح للشعب مسؤولية التحكم بمصيره وجودا وعدما لاسيما إن الكثير من شعوب الدولة التي أخذت بنظام الاستفتاء لم تبلغ درجة من النضج تؤهلها ممارسة هذه الوظيفة ، ونرى أن هذا الانتقاد مرفوض من أساسه بل ومتناقض أيا ، فإذا لم يمنح الشعب حق ومسؤولية وضع نصوص الدستور لخطورة الأمر وأهمته ، إذا لمن يمنح هذا الحق؟ هذا إضافة إلى أن الشعوب لم تعد كما كانت سابقا لا تتمتع بالوعي او النضج السياسي بعد انتشار المبادئ الديمقراطية وتطور وسائل الاتصال الثقافي ، ولا أدل على ذلك مطالبة مختلف الشعوب بتطبيق المبادئ الديمقراطية في ممارسة السلطة السياسية ، وإذا كانت بعض الشعوب غير متمتعة بالنضج السياسي الكافي لممارسة الاستفتاء الدستوري فإن هذا الحكم  لا يمكن إطلاقه على سائر الشعوب ، فمن المعلوم أن الشعوب تتباين في درجة وعيها ونضجها السياسي .
  4. تجري عملية الاستفتاء عادة دون أن تسبقها مناقشات كافية تتيح الفرصة للشعب بطبقاته المختلفة الإطلاع على هذه النصوص وطبيعتها ومواطن الضعف والخطورة فيها والقيود المفروضة على حقوق الشعب وحرياته وتوزيع الصلاحيات بين السلطات الثلاث ، ونرى أن هذا الانتقاد يمكن التغلب عليه بسهولة ، من خلال إطالة المدة التي تسبق الاستفتاء والتي تجري خلالها مناقشة نصوص الوثيقة الدستورية وطرح الآراء المختلفة فيها ومناقشتها بدقه ورويه .

ومن خلال استعراض أساليب وضع الدساتير والإيجابيات المسجلة لها والسلبيات المسجلة عليها ، يبدو لنا جليا إن الاستفتاء الدستوري أكثر الأساليب ديمقراطية ، بالرغم من أوجه النقد الموجهة إليه ، إذ يبدي الشعب من خلال هذا الأسلوب رأيه في نصوص الوثيقة الدستورية بصورة مباشرة دون أن يحل إرادة أخرى محل إرادته في ممارسة هذه الصلاحية البالغة الأهمية ، هذا إضافة إلى أن المأخذ المسجلة على هذا الأسلوب يمكن التغلب عليها بسهولة ، وليس فيها مساس بالسيادة الشعبية أو بحق الشعب في تقرير مصيره .

الكاتب: nibal بتاريخ: الثلاثاء 18-12-2012 08:11 مساء  الزوار: 40467    التعليقات: 0



محرك البحث
الحكمة العشوائية

إذَا تَفرَقَتْ الغَنَمُ قَادَتها العَنْزُ الجَربَاء. ‏
تطوير تواصل بإستخدام برنامج البوابة العربية 3.0 Copyright©2012 All Rights Reserved