||
اخر ألاخبار
المتواجدون حالياً
المتواجدون حالياً :74
من الضيوف : 74
من الاعضاء : 0
عدد الزيارات : 35125852
عدد الزيارات اليوم : 22474
أكثر عدد زيارات كان : 59321
في تاريخ : 18 /01 /2020
منظمة التجارة العالمية

اتفاقية الجات والتطور نحو إنشاء منظمة التجارة العالمية (WTO)

شهدت اتفاقية الجات منذ عام 1947 عددًا من التطورات التي آلت في النهاية لإنشاء ما يُسمى بمنظمة التجارة العالمية بدءًا من مفاوضات جنيف عام 1947 وانتهاءً بجولة أورجواي الأخيرة 15 أبريل1994 والتي تم الاتفاق فيها على إنشاء منظمة التجارة العالمية حيث أكدت ذلك الوثيقة الختامية للجولة، والتي ورد في مادتها الأولى أن ممثلي الحكومات والجماعات الأعضاء في لجنة المفاوضات اتفقوا على إنشاء "منظمة التجارة الدولية". وقد حددت الوثيقة: نطاق عمل المنظمة، ومهامها، وهيكلها التنظيمي، وعلاقاتها بالمنظمات الأخرى، وطرق اكتساب العضوية.
وبالفعل تم تنفيذ هذا الاتفاق في يناير 1995 حيث وثقت المنظمة كل اتفاقيات الجات السابقة.

المبادئ التي تقوم عليها منظمة التجارة العالمية

تقوم منظمة التجارة العالمية على عدد من المبادئ أهمها:

1. مبدأ عدم التمييز: وينطوي هذا المبدأ على عدم التمييز بين الدول الأعضاء في المنظمة، أو منح رعاية خاصة لإحدى الدول على حساب الدول الأخرى. وبحيث تتساوى كل الدول الأعضاء في الجات في ظروف المنافسة بالأسواق الدولية، فأي ميزة تجارية يمنحها بلد لبلد آخر يستفيد منها -دون مطالبة- باقي الدول الأعضاء.

2. مبدأ الشفافية: يقصد بهذا المبدأ الاعتماد على التعريفة الجمركية وليس على القيود الكمية (التي تفتقر إلى الشفافية) أي أن تكون التعريفة محددة على الكيف إذا اقتضت الضرورة تقييم التجارة الدولية، وبذلك ينبغي على الدول التي يتحتم عليها حماية الصناعة الوطنية، أو علاج العجز في ميزان المدفوعات أن تلجأ لسياسة الأسعار والتعريفة الجمركية مع الابتعاد عن القيود الكمية مثل: الحصص (حصص الاستيراد). ويرجع ذلك إلى أنه في ظل قيود الأسعار يمكن بسهولة تحديد حجم الحماية أو الدعم الممنوح للمنتج المحلي.

3. مبدأ المفاوضات التجارية: وهذا المبدأ معناه اعتبار منظمة التجارة العالمية هي الإطار التفاوضي المناسب لتنفيذ الأحكام أو تسوية المنازعات.

4. مبدأ المعاملة التجارية التفضيلية: أي منح الدول النامية علاقات تجارية تفضيلية مع الدول المتقدمة، وذلك بهدف دعم خطط الدول النامية في التنمية الاقتصادية وزيادة حصيلتها من العملات الأجنبية.

5. مبدأ التبادلية: يقضي هذا المبدأ بضرورة قيام الدول الأعضاء بالاتفاقية بتحرير التجارة الدولية من القيود أو تخفيضها، ولكن في إطار مفاوضات متعددة الأطراف تقوم على أساس التبادلية؛ بمعنى أن كل تخفيف في الحواجز الجمركية أو غير الجمركية لدولة ما، لا بد وأن يقابله تخفيف معادل في القيمة من الجانب الآخر حتى تتعادل الفوائد التي تحصل عليها كل دولة وما تصل إليه المفاوضات في هذا الصدد، ويصبح ملزمًا لكل الدول، ولا يجوز بعده إجراء أي تعديل جديد إلا بمفاوضات جديدة.

أهداف المنظمة

الهدف الرئيسي للمنظمة هو تحقيق حرية التجارة الدولية، وذلك بالقضاء على صورة المعاملة التمييزية فيما يتعلق بانسياب التجارة الدولية، وإزالة كافة القيود والعوائق والحواجز التي من شأنها أن تمنع تدفق حركة التجارة عبر الدول.
أما الأهداف الأخرى فتتمثل فيما يلي:
- رفع مستوى المعيشة للدول الأعضاء .
- السعي نحو تحقيق مستويات التوظف (التشغيل كامل) للدول الأعضاء.
- تنشيط الطلب الفعال.
- رفع مستوى الدخل القومي الحقيقي.
- الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية العالمية.
- تشجيع حركة الإنتاج ورؤوس الأموال والاستثمارات.
- سهولة الوصول للأسواق ومصادر الموارد الأولية.
- خفض الحواجز الكمية والجمركية لزيادة حجم التجارة الدولية.
- إقرار المفاوضات كأساس لحل المفاوضات المتعلقة بالتجارة الدولية.

الهيكل الأساسي للمنظمة

يتشكل هيكل منظمة التجارة الدولية من عدد من الأجهزة وهي:-

1. المؤتمر الوزاري: ويتكون من جميع الدول الأعضاء (على مستوى وزراء التجارة الخارجية) ويعقد اجتماعًا كل عامين. ويتمتع بسلطة اتخاذ القرارات المتعلقة باتفاقيات تحرير التجارة بما في ذلك قيود بنود الاتفاقية.

2. المجلس العام: ويتكون من ممثلين من كافة الدول الأعضاء، ويتولى مسئوليات المؤتمر الوزاري فيما بين دورات انعقاده، ويقوم بوضع القواعد التنظيمية واللوائح الإجرائية الخاصة به وبعمل اللجان المختلفة. كما يتولى مسئولية وضع الترتيبات اللازمة مع المنظمات الحكومية الدولية الأخرى والتي تضطلع بمسئوليات متداخلة مع تلك الخاصة بمنظمة التجارة العالمية.

3. جهاز تسوية المنازعات: وهو أحد الأجهزة الرئيسية التي تشمل ولايته كافة مجالات السلع والخدمات والملكية الفكرية بشكل متكامل.

4. آلية مواجهة السياسات التجارية: وهي المنوطة بمراجعة السياسات التجارية الدولية للدول الأعضاء وفقا للفترات الزمنية المحددة بنص الاتفاق، وتتراوح بين عامين للدول المتقدمة، وأربعة أعوام للدول النامية، وستة أعوام للدول الأقل نموًا.

5. المجالس النوعية بالمنظمة: وهي مجلس لشئون تجارة البضائع، ومجلس لشئون تجارة الخدمات ومجلس لشئون جوانب التجارة المتصلة بحقوق الملكية، و على كل مجلس من هذه المجالس أن يشرف على تطبيق الاتفاقيات الخاصة به، وعضوية هذه المجالس، التي تعقد عند الضرورة، مفتوحة أمام ممثلي الدول الأعضاء بالمنظمة.

6. أمانة المنظمة: وهي هيئة داخل المنظمة يقوم المدير العام للمنظمة بتعيين موظفيها وتحديد واجباتهم وشروط خدمتهم وفقًا للأنظمة التي يعتمدها المجلس الوزاري.

اتخاذ القرارات وعضوية المنظمة

يتم اتخاذ القرارات في المنظمة بالأغلبية المطلقة للمصوتين، ولكل عضو في اجتماعات المؤتمر الوزاري و المجلس العام صوت واحد.
أما بالنسبة لعضوية المنظمة، فهي تكون للدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وعلى الدول المنضمة للمنظمة الالتزام بكل الاتفاقيات التي تم إبرامها منذ عام1947 و حتى تحول الجات إلى منظمة التجارة العالمية في عام 1995.
غير أن الانضمام إلى المنظمة لا يعني التطبيق الفوري لكل الاتفاقيات وإنما يتم ذلك تدريجيًا على ألا تزيد فترة التطبيق عن عام 2005.
تسبق العضوية مفاوضات بين المنظمة والدولة الراغبة في العضوية يتم فيها تحديد مجالات تحرير التجارة التي ستلتزم بها الدولة و ذلك وفقًا لمستوى النمو الاقتصادي لهذه الدولة .
ويلاحظ انه ليس هناك إجبار للدولة على دخول المنظمة، فالعضوية تكتسب بشكل تطوعي وتخضع لمدى رؤية الدولة لاستفادتها من عدمها من الانضمام للمنظمة ، إلا أنه واقعيا لا يمكن لأي دولة أن تظل خارج منظوم الاقتصاد العالمي.
وهناك إحدى عشر دولة عربية منضمة للمنظمة حاليا وهي البحرين وجيبوتي ومصر والأردن والكويت وموريتانيا والمغرب وعمان وقطر والإمارات وتونس إضافة إلى أربع دول في طريقها للانضمام هي الجزائر السودان و سورية و السعودية.

ما هو المؤتمر الوزاري لـ WTO؟

تم التصديق على اتفاقية منظمة التجارة العالمية في مراكش عام 1994، وبدأ العمل بها في يناير 1995، شملت المنظمة أكثر من آلية للعمل، إلا أن أكثر هذه الآليات فاعلية هي آلية المؤتمر الوزاري؛ لذا نجد أنه يحظى بكثير من الاهتمام من قِبل الدول كافة، سواء كانت متقدمة أم نامية، كما يحظى باهتمام مؤسسات المجتمع المدني لما له من صلاحيات خلال نصوص الاتفاقية.
فقد نصّت المادة الرابعة من اتفاقية مراكش لإنشاء منظمة التجارة العالمية على أن "ينشأ مؤتمر وزاري يتألف من ممثلي جميع الأعضاء، ويجتمع مرة على الأقل كل سنتين، ويضطلع المؤتمر الوزاري بمهام المنظمة، ويتخذ الإجراءات اللازمة لهذا الغرض، ويكون للمؤتمر الوزاري سلطة اتخاذ القرارات في جميع المسائل التي ينص عليها أي من الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف إذا طلب ذلك أحد الأعضاء، وفقًا للمقتضيات الخاصة بصنع القرار المشار إليها في هذه الاتفاقية وفي اتفاق التجارة متعدد الأطراف ذي الصلة".
على الرغم من أن مدة انعقاد المؤتمر كل سنتين على الأقل، فإنه لوحظ أن المؤتمر ينعقد بصفة منتظمة كل سنتين، وقد يرجع ذلك لطبيعة حداثة المنظمة، وكذلك قد تكون الموضوعات المطروحة لا تتطلب تأخير المؤتمر الوزاري لأكثر من ذلك، وقد عقدت المنظمة منذ نشأتها ثلاثة مؤتمرات، سوف نشير إليها بعد تناول مسئوليات وصلاحيات المؤتمر الوزاري.

مسئوليات وصلاحيات
وتتعدد مسئوليات هذا المؤتمر الوزاري على النحو التالي:
· الحق في إنشاء اللجان الفرعية والداخلية: "ينشئ المؤتمر الوزاري لجنة للتجارة والتنمية، ولجنة لقيود ميزان المدفوعات، ولجنة للميزانية والمالية والإدارة، تقوم بالمهام الموكلة إليها بموجب هذه الاتفاقية واتفاقيات التجارة متعددة الأطراف، وبأي مهام إضافية يعهد بها المجلس العام، وله أن ينشئ أي لجان إضافية لأداء ما يراه مناسبًا من مهام".
· تعيين مدير عام المنظمة وتحديد صلاحياته: "يعين المؤتمر الوزاري المدير العام، ويعتمد الأنظمة التي تحدد سلطات المدير العام وواجباته وشروط خدمته وفترة شغل المنصب".
· سلطة تفسير الاتفاقات الخاصة بالمنظمة: "يكون للمؤتمر الوزاري والمجلس العام دون غيرهما سلطة اعتماد تفسيرات هذه الاتفاقيات واتفاقات التجارة متعددة الأطراف. ويمارسان سلطتهما في حالة تفسير اتفاق تجارة متعدد الأطراف بشأن التجارة في السلع، على أساس توصية من المجلس المشرف على سير الاتفاق المذكور، ويتخذ القرار باعتماد تفسير من التفسيرات بأغلبية ثلاثة أرباع الأعضاء، ولا يجوز استخدام هذه المادة بما يقلل من شأن الأحكام الخاصة بالتعديلات الواردة في المادة العاشرة (الخاصة بحق أعضاء المنظمة في التقدم بطلب لتعديل بعض اتفاقات منظمة التجارة العالمية)".
· حق إعفاء الأعضاء من بعض الالتزامات: "يجوز للمؤتمر الوزاري في ظروف استثنائية أن يقرر الإعفاء من التزام مفروض على أحد الأعضاء بموجب هذه الاتفاقية أو أي من اتفاقات التجارة متعددة الأطراف، شرط أن يكون مثل هذا القرار قد اتُّخذ بأغلبية ثلاثة أرباع الأعضاء". ويمر طلب الإعفاء بالخطوات الآتية:
أ – يعرض طلب الإعفاء المتعلق بهذه الاتفاقية لنظر المؤتمر الوزاري وفقًا لممارسة اتخاذ القرار بتوافق الآراء. ويحدد المؤتمر الوزاري فترة زمنية لا تجاوز تسعين يومًا للنظر في الطلب. وإذا لم يتم التوصل إلى توافق الآراء خلال الفترة الزمنية المحددة يتخذ قرار منح الإعفاء بأغلبية ثلاثة أرباع الأعضاء.
ب – يقدم طلب الإعفاء بشأن الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف في أول الأمر إلى مجلس شئون التجارة في السلع، ومجلس شئون التجارة في الخدمات، أو مجلس شئون الجوانب التجارية المتصلة بحقوق الملكية الفكرية على التوالي؛ للنظر فيه خلال فترة زمنية لا تجاوز 90 يومًا. وفى نهاية الفترة الزمنية يرفع المجلس المختص تقريرًا بالأمر إلى المؤتمر الوزاري.
ج- يوضح القرار الصادر من المؤتمر الوزاري بمنح الإعفاء تلك الظروف الاستثنائية التي تبرر هذا القرار والحدود والشروط التي تحكم تطبيق الإعفاء، وتاريخ انتهاء الإعفاء، ويعيد المؤتمر الوزاري النظر في أي إعفاء ممنوح لأكثر من عام سنويًا إلى أن ينتهي الإعفاء، وفى كل إعادة نظر يبحث المؤتمر الوزاري ما إذا كانت الظروف الاستثنائية التي بررت الإعفاء لا زالت قائمة، وما إذا كانت القواعد والشروط التي اقترن بها الإعفاء قد استوفيت، ويجوز للمؤتمر الوزاري استنادًا إلى إعادة النظر السنوية أن يمد فترة الإعفاء أو أن يعدله أو أن ينهيه.
· الحق في إجراء تعديلات اتفاقية حقوق الملكية الفكرية: "يجوز للمؤتمر الوزاري أن يعتمد التعديلات على الجوانب المتصلة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية دون إجراءات قبول رسمي متى استوفت الشروط الواردة في الفقرة 2 من المادة 71 (والتي تختص بجواز إحالة تعديلات إلى المؤتمر الوزاري إذا كانت لا تخدم سوى زيادة الحماية الممنوحة لحقوق الملكية الفكرية).
· قبول طلبات الأعضاء بتعديل بعض بنود الاتفاقات: "لكل عضو في المنظمة أن يتقدم إلى المؤتمر الوزاري باقتراح لتعديل أحكام الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف في الملحقين 2 و3 (الملحق 2 يخص الاتفاقات متعددة الأطراف بشأن التجارة في السلع، والملحق 3 يخص وثيقة تفاهم بشأن القواعد والإجراءات التي تحكم تسوية المنازعات). ويتخذ القرار بالموافقة على التعديلات في الاتفاقات متعددة الأطراف بشأن التجارة في السلع بتوافق الآراء، ويعمل بهذه التعديلات بالنسبة لجميع الأعضاء لدى موافقة المؤتمر الوزاري عليها.
· الموافقة على إضافة اتفاقات تجارية أخرى: "للمؤتمر الوزاري بناء على طلب الأعضاء الأطراف في أي اتفاق تجاري أن يقرر بتوافق الآراء فقط إضافة هذه الاتفاقات إلى الملحق 4 (الخاص بالاتفاقات التجارية عديدة الأطراف في مجال الطائرات المدنية، والمشتريات الحكومية، ومنتجات الألبان، ولحوم الأبقار).
· اعتماد عضوية الأعضاء الجدد: "يتخذ المؤتمر الوزاري قرارات الانضمام، ويوافق على شروط اتفاق الانضمام بأغلبية ثلثيْ أعضاء المنظمة".
· الموافقة على استثناء بعض الأعضاء من تطبيق اتفاقات تجارية متعددة الأطراف: "للمؤتمر الوزاري مراجعة تنفيذ المادة 13 (الخاصة بعدم تطبيق الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف بين أعضاء معينين) في حالات خاصة، بناء على طلب أي عضو وتقديم ما يراه من توصيات بشأنها".
بعض المؤتمرات السابقة
أ - مؤتمر سنغافورة:
عقد هذا المؤتمر في ديسمبر 1996 بسنغافورة، وكان الهدف الأساسي منه مراجعة مدى تنفيذ الدول لالتزاماتها في إطار منظمة التجارة العالمية، وكذلك تقييم السياسات التجارية متعددة الأطراف، وقد صدر عن هذا المؤتمر بيان سُمي "إعلان سنغافورة" تضمن الآتي:
1. العمل على استكمال المفاوضات حول بعض المسائل التي لم يتم الانتهاء منها في المفاوضات الخاصة بتحرير التجارة في الخدمات.
2. استمرار لجنة التجارة والبيئة في بحث المسائل المتعلقة بالترابط بين تحرير التجارة والتنمية الاقتصادية وحماية البيئة.
3. رفض استخدام معايير العمل كأداة حماية، وتفويض منظمة العمل الدولية في بحث هذا الموضوع.
4. إعطاء أولوية للتنفيذ الجاد لاتفاقات منظمة التجارة العالمية.
5. وضع عدد من الإجراءات الخاصة بتوفير معاملة تفضيلية للدول الأقل نموًا.
6. إنشاء مجموعات عمل لدراسة عدد من الموضوعات التي اقترحت الدول المتقدمة بدء التفاوض حولها؛ بهدف التوصل إلى اتفاقات متعددة الأطراف في إطار منظمة التجارة العالمية بشأنها.. وقد جاء نظرًا لاعتراض الدول النامية على فكرة بدء التفاوض حول تلك الموضوعات، وكلفت مجموعات العمل ببحث مدى ارتباطها بالتجارة ومدى مناسبة تناولها في إطار منظمة التجارة العالمية، وشملت الموضوعات: التجارة والاستثمار، التجارة والمنافسة، الشفافية في المشتريات الحكومية، تسهيل التجارة.
ب – مؤتمر جنيف:
عقد هذا المؤتمر في مايو 1998 بجنيف، وصدر عنه إعلان جنيف، والذي تضمن العديد من الموضوعات كان أهمها الآتي:
1. التأكيد على ضرورة الالتزام الأمين بتنفيذ الاتفاقات التي أسفرت عنها جولة "أورجواي"، مع إجراء تقييم لذلك التنفيذ في المؤتمر الوزاري الثالث لكل اتفاقية على حدة؛ أخذاً في الاعتبار أهداف تلك الاتفاقات.
2. تكليف المجلس العام بالمنظمة (وهو الجهاز الذي يقوم بإدارة أعمال المنظمة في فترة ما بين المؤتمرات الوزارية) بتنفيذ برنامج عمل للإعداد للاجتماع الوزاري الثالث، وتضمن هذا البرنامج:
· إعداد برنامج المفوضات المتفق مسبقًا على إجرائها في اتفاقات جولة أورجواي والمتعلقة بالزراعة والخدمات.
· إعداد التوصيات المتعلقة بالموضوعات التي تضمنها إعلان سنغافورة، وهي الاستثمار والشفافية في المشتريات الحكومية وتسهيل التجارة.
· إعداد التوصيات بشأن أي موضوعات جديدة تقترحها الدول الأعضاء للتفاوض بشأنها.
3. - كما صدر عن مؤتمر "جنيف" إعلان مستقل يتعلق بالتجارة في الخدمات، تضمن قيام المنظمة بإعداد برامج عمل لدراسة هذا الموضوع كنشاط مستجد من أنشطة منظمة التجارة العالمية.
ج- مؤتمر سياتل:
لعل هذا المؤتمر هو أشهر أعمال المنظمة ومؤتمراتها؛ بسبب الفشل في إصدار بيان أو إعلان عن المؤتمر يعبر عن اتفاق الأعضاء على أجندة عمل موحدة تجمع رغبات المشاركين، كما أثيرت خلافات بين الدول المتقدمة على طبيعة الموضوعات المطروحة، وأيضًا الدور البارز لمنظمات المجتمع المدني التي ساهمت بدور فاعل في فشل المؤتمر. عقد المؤتمر في مدينة سياتل الأمريكية في نوفمبر – ديسمبر 1999.
ويرجع عدم إمكان التوصل إلى اتفاق حول الإعلان الذي كان يتعين صدوره عن المؤتمر للعديد من الأسباب أهمها:
أسباب موضوعية:
· فشل المفاوضون في جنيف في التوصل إلى اتفاق حول مشروع إعلان يرفع إلى المؤتمر الوزاري يتضمن أقل قدر من نقاط الخلاف.
· صعوبة وتعقيد الموضوعات المطروحة، ووجود خلافات شديدة حولها، مثل: موضوع الزراعة، والموضوعات الجديدة، ومسائل التنفيذ.
· عدم توافر الإرادة السياسية لدى الأطراف الرئيسية المشاركة لتقديم تنازلات، والوصول إلى حلول توفيقية.
· إحساس الدول النامية بعدم القدرة على تحمل مزيد من الالتزامات الإضافية.

الأسباب التنظيمية:
· الملابسات التي أحاطت بالمؤتمر، خاصة المظاهرات التي عرقلت عقد المؤتمر في يومه الأول، وإحساس بعض الدول بأن الدولة المضيفة قد حاولت استخدام ذلك كوسيلة للضغط على مختلف الوفود فيما يتعلق بموضوعات معايير البيئة ومعايير العمل.
· إضافة إلى بعض الملاحظات على إدارة المؤتمر، والأسلوب الذي جرى به تنظيم العمل، والذي ترتب عليه غياب عنصر الشفافية، وعدم إتاحة الفرصة للمشاركة في اتخاذ القرار بالنسبة لمعظم الوفود، خاصة الدول النامية.
· عدم تناسب المدة الزمنية للمؤتمر مع حجم وطبيعة الموضوعات المطروحة.
حقوق الملكية الفكرية :

تعرف منظمة التجارة العالمية حقوق الملكية الفكرية على أنها الحقوق التي تعطى للبشر على منتجات إبداعاتهم الذهنية. وغالبًا ما تعطى للمبدع حقوق شاملة على استخدام منتجات إبداعه لمدة زمنية محددة.
وبشكل عام يتم تقسيم حقوق الملكية الفكرية إلى قسمين رئيسيين: أولهما يتعلق بما يمكن أن يسمى حقوق الطبع والنسخ؛ إذ تعطى هذه الحقوق لمؤلفي الأعمال الأدبية (الكتب والأعمال المكتوبة عمومًا) والأعمال الفنية (التأليف الموسيقي، والفن التشكيلي، وفن الخط، وبرامج الكمبيوتر والأفلام)، وحقوق الأداء بالنسبة للمبدعين (كالموسيقيين والمطربين والممثلين)، والمنتجين للأسطوانات والشرائط المسجلة والمنظمات الإذاعية. والهدف الرئيسي من حماية حقوق الطبع والحقوق الأخرى المماثلة أو المرتبطة بها هو تشجيع الإبداع ومكافأة المبدع.
أما القسم الثاني وهو المتعلق بالملكية الصناعية، ويتضمن هذا القسم حماية العلامات المميزة مثل العلامات التجارية، والمؤثرات الجغرافية؛ أي حماية السلعة المنتَجة في مكان محدد، حينما يكون لهذا المكان أثر في نوعية السلعة المنتَجة (كتمييز الأرز البسمتي عن بقية أنواع الأرز على سبيل المثال)، كما يتضمن حماية الملكية الصناعية بهدف رئيسي هو حفز الابتكار، وتصميم وإبداع التكنولوجيا. وفي هذا القسم تكون الحماية متوفرة للاختراعات المحمية ببراءات اختراع والتصميم الصناعي والأسرار التجارية.
وعلى ذلك فإن المواد التي تتضمنها اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تسمى "اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة" والتي يشار إليها اختصارًا بـ"التريبس" Trade Related aspects of Intellectual Property Rights “TRIPS” تهدف إلى حماية حقوق الطبع والحقوق المرتبطة بها، وحماية العلامات التجارية، والمؤثرات الجغرافية، والتصميمات الصناعية، وبراءات الاختراع، والتصميمات الأولية للدوائر المتكاملة، وحماية المعلومات المتعلقة بالأسرار التجارية.
وبمجرد توقيع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية على اتفاق جولة أورجواي الذي أسس لمنظمة التجارة العالمية، وهي الجولة التي انتهت في عام 1994 تصبح موافقة -في نفس الوقت- على الاتفاقات الخاصة بحقوق الملكية الفكرية؛ حيث إن الاتفاقية قد وضعت بمنطق التوقيع الواحد المجمل؛ أي لا يمكن التوقيع على نتائج الجولة، وفي نفس الوقت يتم التنصل من أي من الاتفاقات التي تضمنتها.
كما أن الأمر الأكثر أهمية أن البلدان التي ليست أعضاء في منظمة التجارة العالمية، وتسعى للحصول على العضوية ستكون مجبرة على الموافقة على هذه الاتفاقات، بل إن الدول المتقدمة غالبا ما استخدمت سعي بعض الدول للانضمام للاتفاق لكي تطلب منها تعديل القوانين المحلية الخاصة بحماية حقوق الملكية الفكرية. فقد ضغطت الولايات المتحدة على الصين التي ظلت طوال 15 عامًا تفاوض للانضمام لمنظمة التجارة العالمية، ولم تحصل على هذه العضوية سوى في عام الماضي (2002) مع تعديل جذري في قوانين حماية الملكية الفكرية خاصة حقوق النسخ والطبع؛ حيث كانت تعد تجارة رائجة في الصين. كما طالبت الولايات المتحدة أيضا دولة الإمارات العربية المتحدة بتعديل قوانين حقوق الملكية الفكرية أثناء تفاوض الإمارات على الانضمام للمنظمة.
وقد سعت الدول النامية للحصول على معاملة تفضيلية في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية؛ نظرًا لتأخرها التكنولوجي، وحاجتها لاستيراد التكنولوجيا والمعارف الفنية لرفع معدلات التنمية فيها وزيادة قدراتها التنافسية. وقد استطاعت هذه الدول بالفعل أن تحصل على فترة تأجيل لتنفيذ الاتفاقات في مجال حقوق الملكية الفكرية لمدة 5 أعوام (انتهت في 1 يناير 2000)، لكنها في حقيقة الأمر مقارنة بالدول المتقدمة كانت 4 أعوام فقط، حيث كانت الدول المتقدمة قد حصلت هي الأخرى على فترة عام من التأجيل. بينما انطبقت الاتفاقات بكاملها على كافة الدول التي انضمت لمنظمة التجارة بعد إقرار الاتفاق، وتأسيس منظمة التجارة العالمية في عام 1995 دون أي تأجيل؛ إذ بمجرد قبول الدولة عضوة تنطبق عليها كافة مواد الاتفاقات المتعلقة باتفاقية حقوق الملكية الفكرية وغيرها من الاتفاقات.
وكان التمييز الرئيسي هو الذي حصلت عليه البلدان الأقل نموًا في العالم (أكثر بلدان العالم فقرا، وتضم 48 دولة، من بينها 29 دولة فقط أعضاء في منظمة التجارة العالمية) حيث منحت هذه المجموعة من البلدان تأجيلا لتنفيذ الاتفاق حتى 1 يناير عام 2006، ومع إمكانية لإطالة فترة التأجيل.
ثم كان الاستثناء الثاني المهم هو ذلك الذي حصلت عليه البلدان النامية من مجلس منظمة التجارة العالمية المسئول عن حقوق الملكية الفكرية في 22 يونيو 2002 بمد فترة تأجيل تنفيذ الاتفاقية للبلدان الأقل نموا في العالم حتى 1 يناير 2002 فيما يتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية، وبراءات الاختراع في حالة صناعة الدواء. حيث لوحظ أن أسعار الأدوية -خاصة أدوية الأمراض الخطيرة والوبائية- تعد مرتفعة للغاية؛ وهو ما يهدد أوضاع الصحة العامة في بعض البلدان، خاصة الأفريقية التي تعاني من انتشار وباء الإيدز، كما لوحظ أن بعض الأدوية لمكافحة أمراض كالسرطان تعد مرتفعة للغاية نتيجة لاستغلال شركات الأدوية في الدول الكبرى؛ حيث من الممكن إنتاج نفس الدواء في الدول النامية بأسعار أرخص كثيرًا في حال السماح لها بذلك.
بل إن حكومات الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية قد جاهرت هي الأخرى بالشكوى مؤخرا من أن شركات الأدوية الكبرى تحقق مستويات عالية جدا من الأرباح من أدوية السرطان، على الرغم من أن الأبحاث في هذا المجال كان مقدما لها دعما فيدراليا كبيرا.
وكان من المقدر أن يتم التوصل لاتفاق بين حكومات الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بنهاية العام الماضي 2002 لتحديد موعد لبدء التفاوض حول معاملة تفضيلية للبلدان النامية في مجال الدواء، وحق الوصول للأدوية الأساسية بالنسبة للبلدان الفقيرة التي لا تستطيع إنتاج هذه الأدوية بنفسها، إلا أن الأعضاء فشلوا في ذلك.
وتظل هذه القضية واحدة من الموضوعات الخلافية الرئيسية بين البلدان النامية، وتلك المتقدمة فيما يتعلق بتطبيق حقوق الملكية الفكرية في مجال مهم وحساس بالنسبة لغالبية المواطنين في البلدان النامية.
انتقادات ضد منظمة التجارة العالمية :

إن التحرير الاقتصادي المتسارع -الذي يبدو أنه لا رجعة فيه- لأسواق السلع والخدمات، ورؤوس الأموال والتقنيات -والذي شهد نقلة نوعية مع ميلاد منظمة التجارة العالمية- جعل الإطار الذي تتم فيه العلاقات الاقتصادية الدولية هو الأفق أو البعد الكوني. وأدى أيضا إلى تغيير في مفاهيم التنمية، والثروة والموارد الإنتاجية والندرة والمنشأة والتشغيل ودور الدولة وكذلك مفاهيم كالسيادة الوطنية. إن منظمة التجارة العالمية الدولية هي أول إطار مؤسساتي للتبادل الحر عالميا في التاريخ وهي نتيجة لمخاض عسير من المفاوضات الشاقة ولمدة سبع سنوات بين 120 دولة غنية وفقيرة. هذه المنظمة هي رمز لخيار وتعهد المجتمع الدولي بالمضي في طريق اقتصاد السوق والتبادل الحر دون تمييز، ودون ميزات تفضيلية ودون قيود. إلا أن هذه المنظمة وجهت إليها انتقادات كثيرة من دول غنية وفقيرة، نامية ومتقدمة، وسواء أكانت هذه الانتقادات تكتيكية أو مناورات أو حقيقية عندما تتضرر المصالح فإنها متعددة. فمنها ما هو اقتصادي ومنها ما هو إيكولوجي (بيئي)، ومنها ما هو صحي- أمني، منها انتقادات اجتماعية وهناك انتقادات نعتبرها تهدد مستقبل المنظمة وهي الانتقادات المتعلقة بنشاط المنظمة والمشاركة في رسم سياساتها وسير عملها وآليات التفاوض فيها.

إلا أننا نود أن نشير إلى أن هذا التصنيف هو تصنيف نبتدعه ولهذا فإنه وكأي تصنيف معرض للنقد لأن الأصناف قد تتشابك بدرجة يصعب فصلها إلا أنه مع ذلك ضرورة منهجية لا مفر منها. وسنحاول في كل صنف من الانتقادات أن نبين وجه الانتقاد والمخاوف المترتبة عليه والتطمينات المقدمة من طرف المنظمة والجهات المتبنية لهذا الانتقاد ونعلق على ذلك ما أمكن لنستطيع في النهاية الإجابة على التساؤل التالي: أين الوهم وأين الحقيقة في الانتقادات الموجهة إلى منظمة التجارة العالمية؟

أولاً: الانتقادات الاقتصادية والمالية
ثانياً: انتقادات تتعلق بسير عمل المنظمة
ثالثاً: انتقادات اجتماعية
رابعاً: انتقادات ذات بعد بيئي
خامساً: انتقادات ذات بعد صحي

أولاً: الانتقادات الاقتصادية والمالية

من المآخذ الاقتصادية الموجهة إلى منظمة التجارة العالمية من طرف الاقتصاديين، هناك انتقادات تتمثل في اعتبار التجارة المحرك الأساسي للنمو ولكن على حساب التنمية وذلك عندما نأخذ بعين الاعتبار الفرق الشاسع بين مفهوم النمو ومفهوم التنمية، وانتقادات أخرى تتعلق بتحرير الاستثمارات والسلع والخدمات والملكية الفكرية.

1- الاهتمام بالمصالح التجارية على حساب التنمية:

وجه الانتقاد: يتلخص هذا الانتقاد في أن منظمة التجارة العالمية تهدر التنمية أو التغيير الهيكلي للاقتصاد مقابل المصالح التجارية وتعمد إلى عدم التمييز بين أثر تحرير التجارة الدولية والاستثمارات الأجنبية في رفع معدل النمو، وأثره في تغيير هيكل الناتج القومي إذ من الممكن جدا أن يكون أثر هذا التحرير إيجابيا فيما يتعلق بمعدل النمو وسلبيا فيما يتعلق بالتنمية.

التخوف: إن التخوف الأساسي في هذا المضمار يكمن في أن منظمة التجارة العالمية تحث على حرية التبادل التجاري وبالتالي رفع الحماية لكن رفع الحماية قد يؤدي إلى انخفاض معدل التصنيع ويعرض الصناعات الوليدة إلى منافسة شرسة من طرف الشركات المتعددة الجنسيات أو الشركات عابـرات الـدول والـقـارات (Les firmes transnationales). كما أن الزيادة الحاصلة في نمو الناتج القومي إثر تحرير التجارة قد تكون مؤقتة ولا تؤدي إلى تغيير الهيكل الإنتاجي.

الجهة المتبنية للانتقاد: إن لفت الانتباه إلى ضرورة تبادل تجاري يؤدي إلى تغيير الهيكل الإنتاجي ويحقق التنمية مما يعني ذلك زيادة في معدل التصنيع هو مطلب تتبناه الدول العربية ودول العالم الثالث عموما لأن الصناعة في هذه الدول صناعات وليدة ويجب عدم تعريضها للآثار السلبية التي قد تنجم عن تحرير التجارة الدولية والاستثمارات الأجنبية الخاصة الذي وصل إلى درجة غير مسبوقة في تاريخ الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف.

التطمينات من طرف المنظمة: ترى المنظمة أن قوانينها لحرية التبادل التجاري تأخذ بعين الاعتبار المصالح التنموية. كما ترى المنظمة أيضا أن نظامها التجاري مؤسس على كون التبادل الحر يهيئ المناخ المناسب للنمو والتنمية. والسؤال المطروح حول ما إذا كانت الدول النامية تستفيد بما فيه الكفاية من هذا النظام فإن ذلك محل حوار ونقاش مستمر في المنظمة وهذا لا يعني أن نظام التبادل الحر لا يوفر شيئا لهذه الدول. الاتفاقيات يحوي الكثير منها قوانين تأخذ بالخصوص مصالح الدول النامية. كما أن هذه الدول تتمتع بفترة تمديد قبل أن تبدأ في تطبيق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية. أما بالنسبة للدول الأقل نموا فإنها تستمتع بمعاملة خاصة ومعفية من كثير من البنود. الإشكاليات المتعلقة بالتنمية تثار غالبا من أجل تبرير إجراءات من المفروض عدم قبولها حسب الاتفاقيات ومن الأمثلة على ذلك منح بعض الحكومات بعض الدعم. المنظمة تعتبر التنمية المستديمة هدفا أساسيا.

التعليق: للتعليق على الانتقاد السابق وعلى التطمينات من طرف منظري منظمة التجارة العالمية ومناصري حرية التبادل التجاري فإننا نشد على يد منظمة التجارة في مراعاتها لظروف البلدان النامية والبلدان الأقل نموا ونرجو أن لا تكون البنود بشأن هذه الدوال حبرا على ورق كما نثمن اعتبارها للتنمية المستديمة كهدف أساسي. إلا أننا مدعوون للتحقق من ثلاثة أمور يتمثل الأول في ضرورة التمييز بين تحرير التجارة الدولية الذي يقتصر تأثيره فقط على نمو الناتج القومي وبين حرية التبادل التجاري الذي يتعدى إلى التغيير الهيكلي في الإنتاج وتؤدي إلى تنمية اقتصادية مستديمة مبنية على زيادة في معدل التصنيع. الأمر الثاني يتعلق بضرورة عدم التسرع فيما يتعلق بالآثار المتوقعة من تحرير التجارة والاستثمارات الدولية دون تمييز كاف بين دولة وأخرى من الدول التي تقوم بهذا التحرير. فنوع النتيجة النهائية لابد أن يتوقف ليس فقط على مرحلة النمو التي بلغتها الدولة ومدى توافر الظروف المواتية لدفع عجلة التصنيع فيها، بل لابد أن يتأثر أيضا بطبيعة الطرف أو الأطراف الأخرى التي يجري تحرير التجارة والاستثمارات إزائها إذ لابد أن تتغير النتيجة بحسب مرحلة النمو التي بلغتها الأطراف الأكثر نموا وطبيعة السلع والخدمات التي نحتاج إلى تصريفها. الأمر الثالث هو الاعتقاد بأن تحرير التجارة أو الاستثمارات الأجنبية يمكن بذاته أن يحدث الآثار المرغوب فيها في الدولة الأقل نموا دون تدخل إيجابي من هذه الدولة. ذلك أنه حتى في الحالات التي تحمل فيها التجارة الخارجية أو الاستثمارات الأجنبية فرص الإسراع بمعدل التصنيع وتغيير الهيكل الاقتصادي في الاتجاه المنشود، من الصعب أن نتصور تحقيق هذا دون اتخاذ حد أدنى من التوجيه والتدخل الحكومي.

2- منظمة التجارة العالمية تنادي للتبادل الحر مهما كان الثمن:

وجه الانتقاد: يتجلى هذا الانتقاد بصورة صارخة على مستويات عدة نذكر منها المثالب التي نتجت عن تحرير السلع والخدمات:

· فعلى مستوى تحرير السلع تم تقرير إلغاء الدعم الذي كانت تمنحه بعض الدول المتقدمة للسلع الزراعية مع ما سينجر عنه من عواقب وخيمة للدول التي تعتبر السلع الزراعية مهمة في قائمة وارداتها كما ترتب على تحرير تبادل السلع انخفاض كبير في حصيلة الرسوم الجمركية وخصوصا بالنسبة للدول النامية التي تشكل هذه الرسوم نسبة كبيرة من مجموع إيراداتها. ومن جهة ثالثة أدى تحرير السلع إلى تعريض الصناعات الوليدة للدول النامية إلى منافسة شرسة ومن ناحية رابعة نذكر أن السلع التي تتمتع فيها الدول النامية بقدرة تنافسية عالية، كسلع المنسوجات، مازالت الدول المتقدمة غير متحمسة لتحريها بالمقارنة مع سلع أخرى لا تعتبر ذات أهمية بالنسبة للدول النامية(1).

· أما على مستوى الخدمات فلم تراع المنظمة العالمية للتجارة انعدام التوازن بين حجم قطاعات الخدمات في الدول الغنية وحجمه في الدول الفقيرة. ولم تراع المنظمة أيضا ارتباط بعض قطاعات الخدمات في الدول النامية بمصالحها الإستراتيجية مما نجم عن ذلك مجموعة من المخاوف.

الجهات المتبنية: لقد أثيرت هذه الانتقادات من طرف مجموعة الدول النامية والدول العربية جزء منها. فلقد أعربت هذه الدول في أكثر من مناسبة عن المخاطر التي جلبتها ويجلبها تحرير السلع والخدمات. كما تمت إثارة تمنع الدول الصناعية وعدم حماسها لتحرير السلع التي يعتبر تحريرها يعود بالنفع إلى الدول النامية.

حجم المخاوف: تتمثل المخاوف في أربع نقاط أساسية:

· اختلال التوازن بين حجم الخدمات المقدمة من طرف الدول الغنية وحجم الخدمات في الدول النامية وتفاقم هذا الفارق بصفة مطردة لصالح الدول الصناعية.

· إن مـزايـا الحـجـم الكـبـير (économies d’échelle) الذي تتميز به الشركات العملاقة في الدول الغنية يجعل الدول النامية غير قادرة على المنافسة مهما بذلت من جهد في الأفق المنظور فما نلاحظه من اندماج في شركات البنوك ومؤسسات التأمين العملاقة خير دليل على أنها إستراتيجيات للسيطرة على قطاع الخدمات على المستوى العالمي.

· من المخاوف أيضا أن تحرير بعض الخدمات قد يعرض بعض التوجهات والمصالح الإستراتيجية للبلدان النامية إلى خطر كبير.

· إن اتفاقية تحرير الخدمات تقضي مبدأ معاملة مقدم الخدمة الأجنبية بنفس المعاملة التي تمنح للمواطنين إلا أن ذلك يفوت الفرصة التي تمكن من حماية المشروعات الوطنية للخدمات.

التطمينات: ترى منظمة التجارة العالمية أن ما يتم وفق مبدأ تحرير التبادل من سلع أو خدمات يتعلق في الحقيقة بما ترغب كل دولة من الدول أن تتفاوض فيه وأنه من الصحيح فعلا أن أحد مبادئ منظمة التجارة العالمية يرتكز في الأساس على تقليص العقبات الحمائية وتحرير التبادل. وفي النهاية يستفيد الجميع من التبادل التجاري. أما فيما يتعلق بحجم تقليص ورفع الحواجز فإنه أمر يتوقف على الدول الأعضاء المتفاوضة.

إن الوضعية التفاوضية ترتبط بإرادة تقليص الحواجز وبما ترغب الدول الحصول عليه من الأطراف الأخرى. إن دور منظمة التجارة العالمية هو توفير إطار مؤسساتي للتفاوض لتحرير التبادل. كما أنها أيضا تضع القواعد التي تحكم تحرير التجارة. هذه القواعد تمكن من تقليص تدريجي للحواجز حتى يتمكن المنتجون الوطنيون من التأقلم. كما أن اتفاقيات المنظمة تحتوي على بنود خاصة تأخذ بعين الاعتبار الدول النامية وتوضح أيضا متى وكيف يمكن للحكومات أن تحمي المنتجين الوطنيين، على سبيل المثال ضد واردات تتمتع بدعم أو تشكل حالة من حالات الإغراق. ففي هذه الحالة فإن الهدف هو إقامة تجارة عادلة منصفة. وهناك أيضا مبادئ أخرى مهمة في نظام منظمة التجارة العالمية بل ربما أكثر أهمية من مبدأ حرية التبادل التجاري مثال: مبدأ عدم التمييز، ووضع شروط ثابتة وشفافة للتجارة. كما نضيف أيضا أن بعض الكتاب يطمئن الدول العربية ويؤكد على نفس الحجج السابقة الذكر معتبرا أن ما تبديه هذه الدول من مخاوف ومحاذير لا يستند في الواقع على أسس قوية وخصوصا فيما يتعلق بتحرير الخدمات وأنها محدودة الأثر لمدة طويلة. ويدافع آخرون عن اتفاقية تحرير الخدمات بأنها تعتبر عاملا محفزا من شأنه رفع كفاءة إنتاج الخدمات في الدول النامية.

التعليق: وللتعليق على ما تقدم فإننا نؤكد مع الاقتصادي جلال أمين أن هذه الاتفاقية بالفعل تحث على رفع كفاءة قطاعات الخدمية لدى الدول النامية وأن التطبيق الكامل لهذه الاتفاقيات مازال أمامه وقت طويل، لكنه ليس هناك ما يطمئن الدول النامية فقد يكون ثمن رفع الكفاءة أكبر مما يبرر تحرير تجارة الخدمات، كما أن طول المدة التي سيظل من خلالها أثر الاتفاقية محدودا، لن يتحدد على الأرجح بإرادة الدول النامية، وما سيحدث عند انقضاء المدة قد يكون مما لا تحمد عقباه على اقتصاديات هذه الدول.

3- المنظمة تنادي بتحرير الاستثمار لصالح شركات الدول على حساب مصالح الدولة الوطنية

وجه الانتقاد: يتمثل الانتقاد في خلو اتفاقية تحرير الاستثمار من منح الشركات الدولية الدخول في اتفاق فيما بينها لاقتسام الأسواق أو لفرض أسعار احتكارية، أو لمنعها من التلاعب بأسعار ما تستورده من فروعها في الخارج...

الجهات المتبنية: ترى الدول النامية أن حرمانها من وضع قيود على الاستثمارات الأجنبية دون إلزام الشركات متعددة الجنسيات عن الامتناع عن فرض أسعار احتكارية والتلاعب بالأسعار هو حيف. وتعتبر الدول النامية أن إلغاء القيود على الاستثمارات مطلب موجه إلى الدول النامية دون غيرها. وتطالب بإعادة صياغة اتفاقية إجراءات الاستثمار المتعلقة بالتجارة.

المخاوف: تعتبر الدول النامية أن تحرير الاستثمارات وعولمة الأسواق المالية ترافقه مخاطر جمة وأزمات ماليـة مكلفة (أزمة المكسيك عام 1994 ودول جنوب شرق آسيا 1997 والبرازيل وروسيا وآسيا 1999...). وهذه المخاطر يمكن رصدها في النقاط التالية:

· المخاطر الناتجة عن التقلبات الفجائية لرأس المال.

· مخاطر تعرض البنوك للأزمات.

· مخاطر التعرض لهجمات المضارب المدمرة.

· مخاطر هروب الأموال الوطنية للخارج.

· إضعاف السيادة الوطنية في مجال السياسة التفقدية والمالية.

· مخاطر دخول الأموال القذرة (غسيل الأموال). وهي مخاطر تدخل عبر آليات تحرير رأس المال المحلي والدولي.

التطمينات: إن التطمينات تكمن في مجموعة المزايا التي يتيحها تحرير الاستثمارات والتي تتمثل في سد الحاجة إلى رأس المال، زيادة رصيد العملات الأجنبية، اقتناء التكنولوجيا الحديثة، جلب الكفاءات الإدارية، زيادة العمالة، زيادة إيرادات الدولة...

التعليق: وللتعليق على ما سبق بأننا نود أن نلفت الانتباه إلى أن الدول النامية محقة في ما تراه من ضرورة الإحاطة بالمخاطر الناجمة عن تحرير الاستثمارات وعدم التوقف فقط عند المزايا المتوقعة. وتحرير الاستثمارات ليس شأنا يؤخذ كله أو يترك كله. ولهذا فقط خلص الاقتصادي الكبير رمزي زكي إلى نتيجة مهمة في شأن العولمة المالية:

· تتمثل النتيجة الأولى في أن العولمة المالية وما يصاحبها من تحرير الاستثمارات الدولية يؤدي إلى حدوث تدفقات كبيرة ومفاجئة ومتقلبة لرؤوس الأموال قصيرة الأجل الباحثة عن الربح السريع والتي تحدث أثارا ضارة بالاستقرار الاقتصادي هي أمر غير مرغوب بالمرة ويتعين تحصين الاقتصاد الوطني لمنع حدوثها. كذلك يجب تأمين الاقتصاد الوطني ضد مخاطر تدويل مدخراته الوطنية وعدم السماح للعولمة المالية بتجريفها نحو الخارج، والتصدي بحزم للمضاربات المالية، سواء من جانب المستثمرين المحليين أو الأجانب كي لا تتحول إلى نشاط مهيمن.

· أما النتيجة الثانية فتخلص إلى أن العولمة المالية التي تؤدي إلى حدوث تدفقات كثيرة لرؤوس الأموال طويلة الآجل هي أمر مرغوب فيه، يجب البحث عن السياسات والإجراءات الفاعلة لجذب هذه الاستثمارات.
ولهذا وبناء على أن الاستثمارات الأجنبية غالبا ما تتم من خلال شركات متعددة الجنسيات فإنه من المهم أن تفرض الدول النامية ضوابط أثناء مراجعتها للاتفاقيات المتعلقة بتحرير الاستثمار.

ثانياً: انتقادات تتعلق بسير عمل المنظمة

سنحاول من خلال قراءة تحليلية لمؤتمرات منظمة التجارة العالمية –مؤتمر سنغفورة (1996)، مؤتمر جينيف (1998) ومؤتمر مدينة سياتل الأميركية 1999- أن نبين أهم الانتقادات المتعلقة بسير عمل المنظمة. فقد وجهت إليها انتقادات كثيرة من بينها:

· المنظمة تملي السياسات على حكومات الدول الأعضاء.

· الدول الصغيرة لا وزن لها في هذه المنظمة.

· المنظمة وسيلة في يد مجموعات الضغط العالمية.

· إن الدول الضعيفة مجبرة على الانضمام إليها.

· المنظمة غير ديمقراطية في اتخاذ القرارات.

وسنحاول في هذا الصنف أن نحلل هذه الانتقادات ونرى مجموعة التطمينات المقدمة من طرف المنظمة.

1- الدول النامية مجبرة على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية

وجه الانتقاد: وقعت البلدان النامية على اتفاقيات منظمة التجارة العالمية في أبريل 1994 تحت التهديد حينا بتحميلها مسؤولية فشل المنظمة وما سينجر عن ذلك من تداعيات وإمكانية نشوب حروب بين الأقطاب الاقتصادية العالمية وكذلك فيما بين هذه الأقطاب والدول النامية وبالإغراء أحيانا أخرى بالوعود التي تقدمت بها الدول الصناعية لمساعدة الدول النامية ومساعدتها في التغلب على المشاكل التي ستواجهها.

الجهات المتبنية: يخفى من صياغة الانتقاد أن الدول النامية هي المتبنية لهذا الانتقاد. فالدول النامية ترى أن تاريخ 15/12/1993 تاريخ نهاية الولاية التي حددها الكونغرس للرئيس الأميركي للتفاوض حول نتائج جولة أوروغواي من دون الرجوع إليه. فقد كان هذا التاريخ سيفا مسلطا على رقاب الجميع وخصوصا الدول النامية المتضررة والتي تبحث عن ضمانات ومنغمسة في التفاوض مما يعني أن عامل الوقت كان حاسما دون الأخذ في الاعتبار مصالح الدول النامية.

وجه الانتقاد: لقد وقعت الدول النامية على اتفاقيات منظمة التجارة العالمية تحت مجموعة من المخاوف، مخاوف تتعلق بتحميلها مسؤولية الحروب الاقتصادية، ومخاوف تتعلق بالنصوص، فنصوص الاتفاقيات تحتاج إلى كثير من الشرح والتعليق, ومخاوف تتعلق بتنفيذ البنود المتعلقة بالدول النامية والدول الأقل نموا، ومخاوف تتعلق بحرمانها من المساعدات في حالة عدم توقيعها.

التطمينات: إن الكثير من الدول تعتبر أنه من الأحسن لها أن تكون جزءا من المنظمة بدلا من أن تكون خارج النظام التجاري الدولي. لأجل هذا فإننا نجد في لائحة الدول المتفاوضة دولا عظمى ودولا صغيرة وأسباب ذلك إيجابية أكثر منها سلبية. هذه الأسباب الإيجابية تجد مبرراتها في المبادئ الأساسية لمنظمة التجارة العالمية، كمبدأ عدم التمييز ومبدأ الشفافية. وبالانتساب للمنظمة فإن البلد الصغير يستفيد بصفة آلية من المزايا التي يتفق عليها أعضاء المنظمة فيما بينهم. وتعتبر المنظمة أن لجوء الدول الضعيفة إلى الاتفاقيات التجارية الثنائية ليس في صالحها ويتطلب منها التفاوض مع كل طرف وتجديد التفاوض بصفة دورية وذلك مكلف. كما أن العضوية في المنظمة تمكن الدول الصغيرة أن تتكتل مما يقوي ذلك من قدرتها التفاوضية وتمكنها العضوية أيضا من القيام بتحالفات مع الدول التي تتقاطع معها في المصالح المشتركة.

التعليق: إن انضمام الدول النامية والدول الأقل نموا إلى منظمة التجارة العالمية في ما أرى أمر لا مفر منه. فمنظمة التجارة العالمية هي إحدى تجليات وآليات العولمة. هذه الأخيرة ليست نتيجة أو ثمرة لاختيار حر للدول النامية أن تقبله أو ترفضه بل هي مسار طويل يكاد يكون التعامل والاندماج فيه حتميا. إلا أننا يجب أن نذكر أن هذا المسار تسهم فيه أطراف إيجابية فاعلة وأطراف أخرى سلبية متلقية. وستنعكس آثار اتفاقيات منظمة التجارة العالمية إيجابيا على الطرفين والفوائد لا بد أن تختلف وستنعكس سلبيا على الطرفين إلا أن الضرر هو الآخر سيختلف. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل من مفر أو هل من خيار آخر؟.

2- الدول الصغيرة غير مؤثرة في المنظمة

وجه الانتقاد: تعتمد المنظمة آلية التفاوض ومن العوامل المؤثرة في التفاوض القدرة الاقتصادية للبلد وهيبته سياسيا وعسكريا واقتصاديا إلا أن التفاوض يتوقف في الأساس على الكفاءات وعدد الخبراء فعلى سبيل المثال لا الحصر الولايات المتحدة الأميركية حضرت مؤتمر سياتل بما يقارب 260 خبيرا بينما الدول النامية لديها نقص في الخبراء وحتى في بعض الأحيان غير قادرة على تمويل مدة إقامتهم ولذا تصبح الدول الصغيرة غير فاعلة وغير مؤثرة بفعل عوامل هيكلية. وحتى في الحالات التي تملك فيه الخبراء يدافعون باستماتة عن مصالح دولهم وشعوبهم فإن هؤلاء الخبراء تتعرض عواصم بلدانهم للضغط من طرف الدول المتقدمة لتغييرهم أو استبدالهم باعتبارهم مشاكسين ومعرقلين لسير المفاوضات. وحتى في الحالات التي ينجح هؤلاء الخبراء في تحقيق مكاسب على المستوى النظري في صياغة الاتفاقيات تتعرض هذه الدول لمشاكل جديدة تتعلق بالتنفيذ.

الجهات المتبنية: تتبنى هذا الانتقاد الدول النامية وتعتبرها انتقادات حقيقة بدت للعيان بصورة واضحة في التحضير لمؤتمر سياتل.

التطمينات: ترى المنظمة العالمية للتجارة أن الدول الصغيرة ستكون أضعف في غياب المنظمة وأن المنظمة تقوي من قدرتها التفاوضية، في النظام التجاري للمنظمة، الجميع ملزمون بالتقيد بنفس القواعد والضوابط. وبناء على هذا فلقد مكنت إجراءات تسوية النزاع في المنظمة بعض الدول النامية أن تعترض على بعض الإجراءات المتخذة من طرف بعض الدول المتقدمة. لولا المنظمة لما كان بوسع هذه البلدان الصغيرة أن تتصرف ضد شركائها التجاريين الأقوياء. وتضيف المنظمة لدعم رأيها أن القواعد تنتج عن المفاوضات متعددة الأطراف. فمفاوضات الأورغواي ما كان لها أن تنجح لو لم تقبل الدول المتقدمة إعادة النظر في تجارة المنسوجات والمنتجات الزراعية، (يدانان يشكلان أهمية كبيرة لدى الدول النامية).

التعليق: إن المبدأ المتفق عليه ولو على المستوى النظري والذي على أساسه يتم توقيع الاتفاقيات هو مبدأ التفاوض. لهذا فإن الأمر لا يعني طلبا من دولة نامية واستجابة من دولة متقدمة وإنما هو تفاوض يجب الإعداد له جيدا على مستوى تكوين الخبراء بالتحديد من جهة والتحالف مع الدول التي تتقاطع الدول الصغيرة معها في المصالح والمواقف من جهة ثانية.

3- منظمة التجارة العالمية غير ديمقراطية

وجه الانتقاد: يتعلق هذا الانتقاد بقضية بالغة الخطورة والأهمية في منظمة التجارة العالمية وبها يرتبط مصيرها ومستقبلها وهي آلية اتخاذ القرار. ففي جولة الأورغواي كانت الدول المتقدمة مصرة على أن يكون اتخاذ القرار يتم بناء على توافق الآراء بينما كانت الدول النامية ترى بأن الآلية المناسبة هي التصويت. وتم التوصل إلى صيغة توفيقية بناء على مقتضيات المادة 9 من اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية وإذا تعذر الوصول إلى توافق الآراء يتم اللجوء إلى التصويت ومع ذلك أصرت الدول المتقدمة من جانبها على عدم تنفيذ هذه المادة.

الجهات المتبنية: تتبنى هذا الانتقاد مجموعة الدول النامية باعتبارها الضحية وأمام إصرار الدول المتقدمة على عدم الرضوخ لمقتضيات المادة 9 وما تقتضيه من لجوء إلى التصويت في حالة تعذر توافق الآراء مما جعل عدد أصوات البلدان النامية لا قيمة له ولا وزن مما اضطرها إلى التحسس من هذه القضية وطرحها دائما للنقاش.

المخاوف: تتخوف البلدان النامية من عدم موافقة الدول المتقدمة كل ما كان القرار في غير صالحها تماما متذرعة بعدم توافق الآراء. وقد حدث ذلك في مناسبات عديدة نذكر منها على سبيل المثال أنه كان من الممكن انتخاب المرشح التايلندي سوباتشي
(Supatchai) كمدير عام لمنظمة التجارة العالمية في نوفمبر 1999، لكن حدث أن قوبل هذا الترشيح بالرفض من جانب الدول المتقدمة التي رأت فيه مرشحا يمكن أن يكون متعاطفا مع الدول النامية. وطلبت الدول النامية يومها اللجوء إلى التصويت وفقا للمادة 9 من الاتفاقية المنشئة للمنظمة لكن قوبل ذلك بالرفض من قبل الدول المتقدمة.

التطمينات: ترى منظمة التجارة العالمية أن هذا الانتقاد غير وجيه وأن القرارات تؤخذ غالبا بالاتفاق والإجماع وتعتبر أن هذا المبدأ أكثر ديمقراطية من مبدأ الأغلبية لأن الجميع يلزم أن يكون موافقا إلا أنه من غير الصحيح أن نزعم بأن كل الدول لهم نفس القدرة التفاوضية. وفي بعض الأحيان تكون هناك دول متحفظة وتطالب بتقدير مقابل أو تعويض والوفاق يعني أن تقبل كل الدول بالقرارات. ومن ناحية أخرى تلفت المنظمة الانتباه إلى أن القواعد التجارية للمنظمة تم التفاوض حولها من طرف الدول الأعضاء وتمت المصادقة عليها من طرف برلمانات هذه الدول.

التعليق: نرى أن تطمينات المقدمة من طرف المنظمة والتي تعتمد على اعتبار آلية القرار الأكثر ديمقراطية هي الوفاق أو الإجماع بين الدول الأعضاء هو تطمين باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. فانطلاقا من هذا الأساس سترفض الدول المتقدمة كل قرار لا يوافق شروطها ومصالحها بحجة أن هذا القرار لا يحوز على الوفاق وتذهب آراء الدول النامية مهما كان عددها في مهب الرياح وبالتالي ضياع مصالحها.

4- منظمة التجارة العالمية تعاني من أزمة في إدارتها

وجه الانتقاد: تعاني المنظمة من أزمة في سير عملها
(Dysfonctionnement) فعلى سبيل المثال لم تتمكن المنظمة أثناء التحضير لمؤتمر سياتل من وضع جدول الأعمال (Ordre du jour) ولا يرجع ذلك بالضرورة إلى تباين المصالح بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي واليابان والدول النامية. وإنما يرجع إلى الآلية التي من خلالها تم دفع الأطراف إلى التوقيع في مراكش على ميثاق منظمة التجارة العالمية رغم اختلاف المواقف.

ترى البلدان النامية أنها وقعت -تحت آلية الضغط والتهديد و الإغراء- على ميلاد منظمة التجارة العالمية في مراكش. لكن هذه الآلية تعتبر طريقا غير سالك وكذلك الآلية المعتمدة في اتخاذ القرارات على الوفاق هي ذريعة لدى الدول المتقدمة. فهذه الأخيرة على سبيل المثال لم تف بوعودها للدول النامية في الأورغواي. كما أنها لم تستجب لمصالح الدول النامية تحت ذريعة أنه ليس هناك توافق في الآراء وحتى في الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها هناك مشاكل جمة في التنفيذ. ولهذا أدانت الدول النامية عملية تسيير مؤتمر سياتل والنهج غير الديمقراطي المتبع فيه وأعربت عن عدم موافقتها على ما سيتم فيه من نتائج يومها.

المخاوف: ترى البلدان النامية أن منظمة التجارة العالمية إذا استمرت على المنوال السابق في سير عملها فإنها منظمة تخدم الكبار على حساب الدول الضعيفة وأن هذه الأخيرة ستبقى دوما مهمشة في اتخاذ القرارات المصيرية في رسم مستقبلها وضمان مصالحها.

التطمينات: ترى منظمة التجارة العالمية بأن المؤتمر لم يتمكن من التوصل إلى اتفاق نتيجة تعقد الأمور وأن مزيدا من التفاوض والدراسة كفيلان بالتغلب على المصاعب وبالتالي تم تأجيل مؤتمر سياتل.

التعليق: الواقع أن مؤتمر سياتل فشل فشلا ذريعا وأن المخاوف التي عبرت عنها أطراف كثيرة عشية التوقيع على إعلان منظمة التجارة العالمية كانت في محلها. فقد كانت هناك مجموعة من المنادين بحرية التبادل التجاري ترى في التوقيع على ميثاق المنظمة فرصة كبيرة للدول النامية لكي تجد منافذ لصادراتها في أسواق الدول الصناعية وهناك في المقابل من أبدى تخوفه معتبرا أن هذه الاتفاقية يسودها الغموض وأن عقبات كبيرة ستحول دون تنفيذها وخصوصا إذا تعلق الأمر بتحرير السلع الزراعية والمنسوجات. ولقد أثبتت المؤتمرات المتلاحقة: سنغفورة، جنيف وسياتل ازدواجية في المعايير في سير عمل المنظمة مما سيعرضها لمصير مجهول.

5- منظمة التجارة العالمية ضحية للصراع بين الأقطاب الاقتصادية الثلاثة الكبرى

وجه الانتقاد: يؤخذ على منظمة التجارة العالمية هيمنة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي واليابان. فإذا تعارضت مصالح هذه الأقطاب الاقتصادية تعطلت المفاوضات وفشلت المؤتمرات وإذا اتفقت المصالح هدرت مصالح الدول النامية. فإذا نظرنا مثلا إلى مؤتمر سياتل فإننا سنلاحظ تنافسا أميركيا أوروبيا حول القضايا الأساسية المطروحة إذ يسعى كل منهما للحصول على حلفاء لتأييد وتقوية رأيه ومركزه التفاوضي. فلقد سعت دول الاتحاد الأوروبي لتوسيع أجندة المفاوضات لتشمل أكبر عدد من القضايا وهو ما فسره البعض أنها مناورة أوروبية لتمييع المطلب الأميركي بفتح الأسواق الزراعية الأوروبية وتحويل الانتباه عن الملف الزراعي الذي توليه اهتماما كبيرا أما الأميركيون من جهتهم فقد ركزوا على قضية معايير العمل, أما الطرف الثالث وهو اليابان فقد ركز على ضرورة مراجعة القوانين الأميركية لمكافحة الإغراق التي تحمي الصناعات المحلية الأميركية والتي تعتبرها اليابان مخلة بقاعدة حرية التجارة. هذا دون أن ننسى إلحاح الدول النامية على تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بالدول النامية والدول الأقل نموا ولكن دون جدوى.

الجهات المتبنية: تتبنى هذا الانتقاد الجهة أو القوة الرابعة وهي الدول النامية الباحثة عن موطئ قدم في صناعة قرارات منظمة التجارة العالمية وقد حاولت هذه الدول لأول مرة في مؤتمر سياتل أن تعبر عن رفضها وبصوت مسموع لأسلوب عمل المنظمة وهيمنة الكبار فيها. بل لقد رفضت الانصياع لرغبة الولايات المتحدة الأميركية حول مسألة معايير العمل وأصرت على عدم مواصلة المفاوضات حتى يتم تصحيح الأوضاع الخاطئة في أسلوب عمل المنظمة وهيمنة الكبار عليها.

التطمينات: ترى منظمة التجارة العالمية أن ما تثيره الدول النامية من تضخيم هيمنة الأقطاب الاقتصادية الثلاثة الكبرى لا يعدو أن يكون سوء فهم للواقع فآلية أخذ القرار هي التفاوض والوفاق بين مختلف الأعضاء. لكن ينبغي أن تعترف البلدان النامية أن هذه الدول تختلف في الواقع في مستوى قدراتها التفاوضية وبالتالي تفاوت كفاءة خبرائها ولهذا فإن على البلدان النامية أن تتكتل بما يحقق مصالحها ويقوي من مركزها التفاوضي.

التعليق: لتحليل مدى هيمنة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي واليابان على منظمة التجارة العالمية فإننا سنستأنس بالمشهد في سياتل. إنه وبإجماع المراقبين فإن مؤتمر سياتل قد فشل فشلا ذريعا لكن إلى أي مدى عملت الأقطاب الاقتصادية العظمى في إفشاله؟.

لقد عمدت الإدارة الأميركية إلى عرقلة وطرح مجموعة من القضايا تثير الكثير من الخلافات وخصوصا من طرف الدول النامية مثل قضية معايير العمل وهي قضية حساسة أيضا على المستوى الانتخابي وخطيرة على المرشح الديمقراطي في الانتخابات الأميركية يومها. كما قامت مجموعة من المظاهرات كان من بين الناشطين فيها جماعات البيئة في الولايات المتحدة وهم يشكلون قاعدة انتخابية تقليدية لا يستهان بها للحزب الديمقراطي. كما أن القاعدة الانتخابية للحزب الديمقراطي عموما تعتبر أكثر حمائية أكثر منها عولمية. ولذلك ركز الوفد الأميركي في سياتل على موضوعات معايير العمل والبيئة وعلاقتهما بالتجارة وقضايا مكافحة الإغراق وضمان الشفافية في المشتريات الحكومية. وعلى هذا كان واضحا أنه أمام الرهانات الانتخابية فإن الإدارة الأميركية غير متحمسة وغير متعجلة في الشروع في مفاوضات جديدة.

أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي فيمكن القول إن الشروع في جولة جديدة من المفاوضات متعددة الأطراف لا تعتبر أولوية مطلقة لديه بعد مرور سنة واحدة فقط على الدخول في عهد العملة الموحدة، فهو يشعر أكثر من أي وقت مضى بالبعد الإقليمي ويشعر أيضا بتحوله من سوق موحدة إلى اتحاد اقتصادي ونقدي، أي من مجرد فضاء تجاري إقليمي – دولي إلى قوة نقدية ومالية اقتصادية قارية ذات بعد كوني. مما أدى به إلى طموحات جديدة في ما يتعلق بتوجهات مسار العولمة والتي كانت حكرا على الحكومة والشركات الأميركية متعدية الجنسيات (أو عابرة الدول والقارات) وبالتالي محاولة تأثير جديد في منظمة التجارة العالمية. وبناء على ما تقدم لم يكن الاتحاد الأوروبي متحمسا لجولة جديدة من المفاوضات التجارية على الطريقة الأميركية. كما سعت المجموعة الأوروبية إلى محاولة توسيع جدول الأعمال ليشمل الكثير من القضايا لا تريد الإدارة الأميركية في ذلك الظرف الخوض فيها.

أما من جهة المجموعة الآسيوية فإن اليابان أثارت نقاطا تعتبر حساسة بالنسبة للأميركيين مثل مراجعة القوانين الأميركية لمكافحة الإغراق. وهكذا يتضح أن الأجندة الأميركية والأجندة الأوروبية والأجندة الآسيوية لا يمكن التأسيس عليهم كقاعدة عمل مشتركة للتحضير لمؤتمر سياتل أما من جانب الدول النامية فقد وقفت من جانبها وبشدة لتدافع عن مصالحها ولتنتقد سير عمل المنظمة. هذا بالإضافة إلى المظاهرات التي نظمتها المنظمات غير الحكومية لتعبر عن موقف المجتمع المدني في ممارسات منظمة التجارة العالمية. وعلى هذا يمكن القول أنه إذا اتفقت مصالح الدول العظمى فلا سبيل إلى حماية مصالح الدول النامية من خلال المنظمة العالمية للتجارة أما إذا اختلفت مصالحهم فإن بناء تكتلات قد يسعف في تحقيق بعض المكاسب.

ثالثاً: انتقادات اجتماعية

وجه الانتقاد: هذه الانتقادات ترتكز على فكرة أساسها أن منظمة التجارة العالمية منذ تأسيسها قد أسهمت بدور بارز في تركيز الثروة في أيدي أقلية من الأثرياء جنبا إلى جنب مع زيادة تفشي الفقر والجهل والمرض والتهميش والبطالة في أغلبية سكان المعمورة.

الجهات المتبنية: تقف وراء هذه الانتقادات المنظمات غير الحكومية فلقد انطلقت مظاهرات كبيرة في مدينة سياتل بالولايات المتحدة الأميركية وفي باريس وجنيف لتطرح مجموعة من الانتقادات أهمها الانتقادات الاجتماعية فقد وزع بيان وقعته 1200 منظمة من 87 دولة تندد باتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء مما أدى إلى انتشار الفقر والمجاعة والتهميش والبطالة. وأوضح البيان أن اتفاقات منظمة التجارة العالمية التي أبرمت في دورة الأورغواي قد استهدفت فتح أسواق جديدة للشركات عابرات الدول والقارات (Les firmes transnationales) على حساب الاقتصاد الوطني والعديد من الفئات الاجتماعية. كما انتقدت هذه المنظمات آليات وإجراءات المنظمة باعتبارها معادية للديمقراطية وتفتقر للشفافية كما أوضحت منظمة (أوكسفام) أما دول الشمال تسلك سلوكا حمائيا لمنتجاتها وأن هذه الإجراءات كلفت الدول الفقيرة سبعمائة مليار دولار سنويا وهو ما يعادل أربع عشرة مرة قيمة المساعدات التي تحصل عليها هذه الدول الفقيرة في إطار مساعدات التنمية ومن بين المنظمات غير الحكومية نجد المنظمات الأميركية التي اتهمت الرئيس الأميركي بازدواجية المعايير فهو يطالب بعولمة ذات بعد إنساني وهو مساند وموجه من طرف رجال الأعمال بالدرجة الأولى. أما في فرنسا فقد رفضت المنظمة الفرنسية للمنظمات غير الحكومية الاعتراف بمنظمة التجارة العالمية وطالبت بفرض ضرائب لمساعدة فقراء العالم. أما في اليابان وكوريا فقد طالبت المنظمات غير الحكومية منظمة التجارة العالمية بالعمل على إيجاد قواعد جديدة لضمان الحفاظ على الأمن الغذائي وتوقف هجرات المزارعين وإلا فإنه سيترتب على ذلك آثار اجتماعية وخيمة.

التطمينات: أما منظمة التجارة العالمية فترى من جانبها أن الادعاء بأن اتفاقياتها تقلص فرص العمل وتوسع الهوة بين الأغنياء والفقراء هو إدعاء غير مؤسس ومبسط. فالتجارة يمكن أن تشكل قوة دافعة لخلق فرص للشغل ومكافحة الفقر وهو ما نلاحظه دائما. إلا أنه في بعض الأحيان تكون هناك حاجة ماسة إلى تقليص العمال وبالتالي تسريح بعضهم، وفي هذه الحالة فإن الوضعية تكون صعبة على المستوى الاجتماعي. لكن في كل الحالات الحمائية لا تعتبر حلا. إن العلاقة بين التجارة والتشغيل معقدة. إن تجارة حرة ومستقرة توفر مناخا ملائما للنمو الاقتصادي، مما قد يمكن من خلق فرص للعمل وبالتالي يسهم في تقليص الفقر. المنظمة تتناول هذه القضايا بطريقة مختلفة. فهي تنادي بتحرير متدرج يعطي فرصة زمنية للتكيف اللازم. وتعتبر المنظمة أنه توجد عوامل أخرى لا تدخل تحت صلاحيات المنظمة، وهذه العوامل هي المسؤولة عن التغيرات الحاصلة على مستوى الدخول أو الرواتب وكذلك على معدل البطالة. فالاقتصاديات المتقدمة تعتمد على تكنولوجيا تتطلب يدا عاملة ماهرة وذات كفاءة عالية لذلك فإن التغيرات التي تحصل على مستوى الأجور راجعة إلى التغيرات التكنولوجية. وفي الأخير فإن المنظمة تعتبر أنه إذا كان 1.5 مليار من الأفراد يعيشون في فقر فإن تحرير التبادل التجاري ابتداء من الحرب العالمية الثانية قد مكن من الإسهام في انتشال ثلاثة مليارات من البشر من حالة الفقر.

التعليق: إن بعض الدراسات تؤكد أن الدول الأكثر فقرا في العالم تسخر ما بين 162 مليارا إلى 265 مليار دولار من عائدات التصدير نتيجة لتطبيق اتفاقيات دورة الأورغواي ككل في حين أنها تدفع ما يتراوح بين 145 مليارا و292 مليارا نتيجة الزيادة في تكلفة فاتورة الغذاء وهو ما يعني زيادة تهميشها في الاقتصاد العالمي ويعمق من عدم العدالة مما سينعكس سلبا على الشرائح الاجتماعية متدنية الدخل. وهناك مؤشرات أخرى خطيرة على المستوى الاجتماعي تتمثل في تركيز الثروة لدى عدد محدود من الشركات عابرة الحدود والقارات إذ توجد 200 شركة عملاقة من هذا الصنف تتصدر قائمة هذه الشركات تقوم بتنفيذ وممارسة ربع النشاط الاقتصادي العالمي لكنها مع ذلك لا تستخدم سوى 0.075 % من القوى العاملة مما يدل على أن النظام الرأسمالي لا يعير أي اهتمام للتشغيل في فلسفته الاقتصادية.

رابعاً: انتقادات ذات بعد بيئي (إيكولوجي)

وجه الانتقاد: يتمثل هذا الانتقاد في اعتبار منظمة التجارة العالمية قد فتحت أسواقا جديدة للشركات متعددة الجنسيات على حساب البيئة.

الجهات المتبنية: لقد انطوى المشهد العام في سياتل على انتقادات كبيرة لمنظمة التجارة العالمية من طرف المنظمات غير الحكومية, فقد اتهمت الجمعيات الراعية للحفاظ على البيئة منظمة التجارة العالمية بأنها ستدمر البيئة. كما يعتقد أن الدول المتقدمة تدفع هذه الجماعات لطرح هذه الانتقادات مع قضايا أخرى تتعلق بمعايير العمل وما يتضمنها من تنديد بعمل الأطفال وتسليط ذلك كله على رقاب الدول النامية لتضعيف موقفها التفاوضي الذي لا يحتاج في الحقيقة إلى تضعيف أكثر مما هو عليه الحال.

التطمينات: ترى منظمة التجارة العالمية أن كثيرا من بنودها يأخذ بعين الاعتبار المخاوف المتعلقة بالبيئة. فديباجة اتفاق مراكش المؤسس لمنظمة التجارة العالمية والذي يرسم أهداف المنظمة تحدث بالتحديد عن الاستخدام الأمثل للموارد وكذلك عن التنمية المستديمة وحماية البيئة. ومن بين أهم المواد في هذا الشأن نذكر أيضا أن المادة 20 من الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة تطالب الدول الأعضاء باتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية ولصحة وحياة الأفراد والحيوانات وصيانة النباتات وكذلك تطالب بجملة من الإجراءات للحفاظ على المصادر الطبيعية القابلة للنفاد. زيادة على المبادئ العامة فإن هناك اتفاقيات خاصة تأخذ بعين الاعتبار المشاكل المتعلقة بالبيئة. ومن المهم التذكير بأن مسؤولية وضع قواعد دولية لحماية البيئة ليس من اختصاص المنظمة وإنما من اختصاص الوكالات المختصة بالبيئة.

التعليق: للتعليق على هذه الانتقادات فإننا نقول إنها غالبا ما يبالغ فيها وتستخدم من طرف الدول المتقدمة كورقة ضغط على الدول النامية. إلا أن الدول النامية هي الأخرى يجب أن لا تأخذ موقفا سلبيا معاديا من جانبها فيما يتعلق بحماية البيئة.

خامساً: انتقادات ذات بعد صحي

وجه الانتقاد: وجهت إلى منظمة التجارة العالمية انتقادات حول سلامة المنتجات الغذائية المنتشرة في الأسواق الدولية عبر آلية حرية التبادل التجاري. فهذا الاعتقاد يعتبر أن المصالح التجارية عند منظمة التجارة العالمية مقدمة على حساب سلامة المنتجات من المخاطر والأضرار وسلامة وصحة أمن الأشخاص.

الجهات المتبنية: هذه الانتقادات جزء من المناورات والصراع بين الكبار وخصوصا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق بالملف الزراعي فهناك معارضة لفتح الأسواق الأميركية لما سيترتب عليه من دخول سلع دون المواصفات البيئية والصحية السليمة.

التطمينات: ترى منظمة التجارة العالمية أن هناك بنودا أساسية من الاتفاقيات تتيح للحكومات القيام بالإجراءات الضرورية لحماية صحة وحياة الأفراد والحيوانات وصيانة النباتات. وهناك اتفاقيات تدرس بصفة مفصلة معايير للسلع الغذائية والمنتجات الزراعية ومصادر أخرى ذات طبيعة حيوانية ونباتية، وذلك انطلاقا من المعايير المعتمدة في منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة وكذلك المنظمة العالمية للصحة.

التعليق: الحقيقة أن مستقبل الزراعة في العالم مرتبط بالتقدم العلمي وخصوصا التكنولوجيا الحيوية، إلا أن هذا التقدم العلمي يجب أن يحترم الإنسان والحياة والقيم والمعايير الصحية وأن لا يكون الدافع للربح يبيح كل شيء.

الخاتمة.. أوهام وحقائق:
لقد أثار ميلاد منظمة التجارة العالمية وما قامت به حتى يومنا هذا، مشاعر متضاربة من الحماسة والإشادة بمزاياها لدى البعض، ومن المخاوف والانتقاد لدى آخرين. لذا كان السؤال الذي حاولنا أن نجيب عليه في هذه الورقة أين الوهم وأين الحقيقة فيما يتعلق بهذه المنظمة من انتقادات؟.

إن منظمة التجارة العالمية كما أسلفنا هي تجسيد للعولمة على المستوى المؤسساتي. ونرى أن للانتقادات الموجهة إلى هذه المنظمة مصدرين: أوهام وحقائق.

أ- أوهام

· فمن الوهم أن نتصور أن الانفتاح الأعمى على اقتصاد السوق والتبادل الحر والاندماج في العولمة الغربية هو دليل كما يقول الشاذلي العياري على تخطينا عتبة الحداثة بل الحداثة البعدية.

· ومن الأوهام أيضا الوهم القائل إن الصادرات جيدة والواردات سيئة فهذه الفكرة مضللة وليست على إطلاقها.

· ومن الوهم أيضا اعتبار أن تحرير التبادل التجاري سيؤدي إلى تغيرات سريعة على المدى القصير.

· ومن الوهم أيضا بعض الأخطاء التي تقع فيها بعض الدول، إذ تروج لتحرير التجارة والاستثمار على أنها آليات لخلق الوظائف. ففتح الأسواق لا يعني المزيد من الوظائف بل وظائف أفضل وأكبر مردودا.

· ومن الوهم أيضا اعتبار أن التصنيع هو وحده المهم. فالخدمات وخصوصا قطاعات الخدمات المالية والاتصالات والصحة والخدمة المتخصصة لها مردودات أكبر من وظائف التصنيع.

ب- حقائق

· أما الحقيقة فتكمن في القدرة على استيعاب ما يوفره التقدم العلمي والتكنولوجي الحديث استيعابا مجتمعيا حضاريا لا تقنيا.

· والحقيقة أن على منظمة التجارة العالمية ومن خلال أعضائها أن يعملوا على التوفيق بين مقتضيات العصرنة والتحديث والنجاعة والإنتاجية ومراعاة ما تفرضه علينا الحاجة إلى العدالة الاجتماعية واحترام الحقوق والحريات.

· والحقيقة أن ميلاد منظمة التجارة العالمية وما رافقها من تحرير التبادل التجاري قد أدى إلى اتساع الفجوة التي تفصل عالم الأغنياء عن عالم الفقراء سواء داخل الدولة الواحدة كما هو الحال للولايات المتحدة الأميركية واليابان والاتحاد الأوروبي، أو بين دول الشمال ودول الجنوب.

· والحقيقة أن الدول النامية رضخت لضغوط الدول المتقدمة ووقعت على اتفاقيات الأورغواي في ظروف من الانكسار والانحدار وتحت الوعود التي قدمت لها إلا أن هذه الدول النامية لم تحصل على ما وعدت به.

· والحقيقة أيضا أن آلية القرار في منظمة التجارة العالمية في حاجة إلى مزيد من الديمقراطية وأن للأقطاب الاقتصادية الثلاثة الكبرى تأثيرا كبيرا بالمقارنة مع الأعضاء الآخرين.

· والحقيقة أن على الدول المتقدمة تنفيذ التزاماتها في الأورغواي تجاه الدول النامية.

· والحقيقة أن تحرير التبادل التجاري أدى إلى أضرار لغالبية الدول النامية عموما وأن الدول الغنية قد التفت حول كثير من الأحكام في هذا المجال، مثل موضوع اتفاقية العوائق الفنية للتجارة، اتفاقية مكافحة الإغراق... كما تم الالتفاف على الكثير من الأحكام لإيقاف نفاذ منتجات الدول النامية.

· والحقيقة أن منظمة التجارة العالمية في أزمة حقيقية ما لم تغير آلية قراراتها.

· والحقيقة أن الانضمام إلى هذه المنظمة يكاد يكون حتميا. ولكسب الرهانات فإن على الدول النامية الاستعداد على المستوى الوطني الداخلي لمواجهة التحديات والإعداد الجيد للخبراء لكسب المفاوضات.

· والحقيقة أخيرا أن مستقبل المنظمة العالمية للتجارة مرهون بالحد الأدنى على الأقل من الإنصاف والقبول بالتعددية.

الكاتب: nibal بتاريخ: الإثنين 31-12-2012 05:45 مساء  الزوار: 5289    التعليقات: 0



محرك البحث
الحكمة العشوائية

والمرء ساع لأمر ليس يدركه ***‏ والعيش شُحٌ وإشفاق وتأميل.
تطوير تواصل بإستخدام برنامج البوابة العربية 3.0 Copyright©2012 All Rights Reserved