||
اخر ألاخبار
المتواجدون حالياً
المتواجدون حالياً :20
من الضيوف : 20
من الاعضاء : 0
عدد الزيارات : 35171079
عدد الزيارات اليوم : 10541
أكثر عدد زيارات كان : 59321
في تاريخ : 18 /01 /2020
أتفاقية اوسلو في مهب الريح: بقلم القاضي فواز عطية

اتفاقية اوسلو في مهــــــــــــب الريـــــــــــح

المقدمة

هناك صعوبة عامة تواجه العاملين في مجال الحقل القانوني لتحديد الحكم الخاص في القانون الدولي الذي يطبق في نزاع معين بين بلدين ، إذ لو كان هناك قانون مدون على نطاق جميع دول العالم لهانت المسألة ، ذلك انه لو كان هناك تطبيقا واضحا لجميع الاحكام القائمة وما يستثنى منها والتفسيرات المختلفة لدى كل دولة لهذه الاحكام ، لتمكن كل باحث بسهولة تحديد المادة أو الفقرة المناسبة التي تطبق على القضية التي يعالجها.
غير انه ولسوء الحظ ، لا يوجد مثل هذا القانون المدون رغم المحاولات الكثيرة الخاصة التي بذلت لجمع قوانين مدونة تتناول مواضيع معينة ، إلا أن العديد من الدول لا ترغب في ذلك ، حتى لا يكون ذلك التقنين ملزما لها بصورة قاطعة ، إنما ليكون للتفسير والاجتهاد بابا للخلاص من الالتزام.
مما دعا فقهاء القانون الدولي إلى تحديد أحكام القانون الدولي أو ما يطلق عليه بالمصادر من خلال الاتفاق العام ضمن المادة الثامنة والثلاثون من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ، على انه ثمة ثلاثة مصادر رئيسية للقانون الدولي بالإضافة إلى وسيلتين فرعيتين لتحديد أحكام ذلك القانون.
وتطبيقا لذلك نصت المادة الثامنة والثلاثون من قانون المحكمة المذكورة على ما يلي:
" وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقا لأحكام القانون الدولي وهي تطبق في هذا الشأن :
أ‌) الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد تقر بها الدول المتنازعة صراحة.
ب‌) العرف الدولي المقبول بمثابة قانون دل عليه التواتر.
ت‌) مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.
ث‌) أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم ويعتبر هذا أو ذاك مصدرا احتياطيا لقواعد القانون. "
ولما كان مناط بحثنا يدور في اتفاقية اوسلو أو ما يطلق عليه باتفاقية إعلان المبادئ التي ابرمت بين منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الوحيد للشعب العربي الفلسطيني وبين دولة إسرائيل ، فإنه
يتعين علينا الوقوف على حكم الاتفاقية من جانب القانون الدولي وتعميق البحث على الجانب القانوني في تلك الاتفاقية من حيث الصلاحية والولاية والتطبيق العملي الملزم للجانبين، بحيث نرصد للجانب القانوني لإعلان المبادئ مبحثين.
 المبحث الأول يخصص في تعريف الاتفاقية وأنواعها ومراحل إبرام الاتفاقية وتسجيلها وآثرها ونفاذها وأسباب إبطالها وإنهائها وإيقافها.
 أما المبحث الثاني نخصصه لتعيين الجانب القانوني للاتفاقية من حيث التطبيق وبالنتيجة سنعرض رأينا حول ذلك الجانب.
وغني عن البيان أن الهدف من هذا البحث ، هو توصيل وجهة نظر لدى الباحث تفضي لفضح أساليب الجانب الآخر من خلال القانون الدولي نتيجة عن التزامه لأبسط قواعد "احترام العقد"، الذي رسُمت مناهجه من كبار يهود العالم المتخصصين في القانون الدولي، ليكون للجانب الفلسطيني رؤية و أمل و مجال فسيح، لإعادة تنظيم صفوفه لاسترداد الغالبية العظمى من الحقوق التي نزعت أثناء مرحلة التفاوض السابقة.
و في حال عدم رغبة الجانب الآخر التقييد بقواعد الشرعية الدولية، بالاستناد إلى آراء فقهاء محسوبين عليه، فعلى المنظمة على أقل تقدير، وبعد تمسكها بالقواعد المذكورة خلال السنوات التي خلت، أن تعلن موقفا حازما، وهو الدفع بعدم التنفيذ تحت طائلة الحِل من الالتزام.


و الله الموفق ، ، ، ،
القاضي فواز ابراهيم نزار عطيه

 

تمهيــد

مما لا شك فيه أن منظمة التحرير الفلسطينية عندما أبرمت اتفاقا مع دولة إسرائيل، استندت المنظمة إلى اعتبارات قانونية تعطيها الحق في جعل نفسها شخصا من أشخاص القانون الدولي وفق ما هو متعارف عليه، بأن الدولة تحتاج لثلاثة عناصر تتمثل: بالإقليم والشعب والسلطة .
إذ أن الإقليم أو الأرض متوفر، و يتمثل ذلك في المناطق المحتلة من قبل إسرائيل في عام 1967، والشعب موجود على الاقليم منذ القدم، وهم سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، أما السلطة فهي منظمة التحرير الفلسطينية وإن تكونت في الشتات، إلا أنها استطاعت نزع اعتراف معظم دول العالم ومن ضمنها جامعة الدول العربية، باعتبارها الممثل الوحيد للشعب العربي الفلسطيني.
ودون حاجة إلى الدخول في أدق التفاصيل حول اعتبار المنظمة الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني في ظل الظروف السياسية المعقدة التي نعيشها نتيجة الانقسام، وبعيدا عن أية تجاذبات سياسية بين جناحي الوطن، ودون الوقوف على مسألة قبول إحدى التنظيمات الفلسطينية بدخول المعترك السياسي في انتخابات عام 2006 دون الاعتراف بالاتفاقية محل البحث، والتي سمحت تلك الاتفاقية إجراء الانتخابات ووصول منظمة التحرير إلى ارض الوطن، فإن الواقع يقتضي التعامل معه في ظل غياب تحديد قواعد مقننة للقانون الدولي لتحديد حقوق وواجبات الدول بشكل صريح و واضح، بعيدا عن رأي الفقهاء الذين أصبحت آراؤهم أو مشوراتهم مصدرا من مصادر القانون الدولي، وهو مما لا شك فيه يعكس وجهة نظر الدول الكبرى التي لا ترغب بتقنين القانون الدولي ليكون باب الاجتهاد واسعا، ولتتهرب تلك الدول من الصفة الإلزامية عندما توضع على المحك.
الأمر الذي يجب أن نسلَم به، هو أن اتفاقية إعلان المبادئ، تعتبر اتفاقية ذات أهمية من وجهة نظر القانون الدولي، لأن طابعها هو طابع سياسي يتعلق بالصلح بين كيانين قاما على العداء المتبادل لسنوات طوال، بعد قرار التقسيم الذي قبِل به العرب، ليكون للجانب الفلسطيني رزمة أمل ومجال فسيح لاسترداد الغالبية العظمى من الحقوق التي نزعت منه أثناء مراحل التفاوض السابقة في حال عدم رغبة الجانب الآخر التقيد بالشرعية الدولية بالاستناد إلى فقهاء محسوبين عليه، ليكون ذلك الرأي وسيلة لحثه على رد الحقوق أو على اقل تقدير تنفيذ التزاماته.
وبالتالي يجب علينا أن نقف عند مفهوم المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية لنرى فيما إذا كانت هذه الاتفاقية تخضع لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 أم لا .

 

 


المبحث الأول
الاتفاقيات أو المعاهدات

تعتبر المعاهدات ترجمة لأعمال قانونية في الأصل تُعبر عن أعمال إرادية مادية، بحيث يتطلب القانون الدولي لرفع العمل الإرادي المادي إلى مرتبة أعمال قانونية شرائط خاصة، تتمثل بالمصدر والمحل والرضا والشكل .
إذ فيما يتعلق بالمصدر يجب ويكفي في حكم النظام القانوني الدولي أن يكون العمل الإرادي صادرا عن شخص أو هيئة لهما حق التعبير عن إرادة احد الأشخاص القانونية الدولية، أي أن يُنسب عمل هذا الشخص أو هذه الهيئة إلى شخص قانون دولي، وبالنسبة للمحل أن يكون ممكنا ومشروعا أي أن يكون الموضوع ممكنا من الناحية المادية ومشروعا من الناحية القانونية، أما عن الرضا فيجب أن يكون موجودا وصادرا عن إرادة صحيحة غير معيبة، أما بالنسبة للشكل فالقانون الدولي يتطلب عادة أن تصدر إرادة عضو الشخص الدولي في شكل معين يتنوع بتنوع هذه الإرادة وما سوف تنشؤه من قواعد دولية.
وبالتالي وبما أن الاتفاقية أو المعاهدة تعد من أهم مصادر القاعدة القانونية الدولية، فإن الاتفاقية الخاصة والاتفاقيات العامة هي المصدر الرئيس للالتزامات الدولية، مما سنخصص لهذا المبحث معنى المعاهدة أو الاتفاقية والتمييز بين أنواع الاتفاقيات في مبحث واحد ، وفي المبحث الآخر سنعرج على مراحل إبرام المعاهدة وشروطها وأخيرا إلى آثارها .

المطلب الأول
ماهية المعاهدة وأنواعها
المعاهدة treaty يقصد بها، هي الاتفاق الذي يبرم بين دولتين أو أكثر أو غيرها من أشخاص القانون الدولي العام ممن يملكون أهلية التعاقد، ويتضمن الاتفاق إنشاء حقوق والتزامات قانونية على عاتق أطرافه ، حيث عرفت المادة الثانية من ميثاق( فيينا) المعاهدة بأنها " اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر في شكل مكتوب ويخضع للقانون الدولي سواء تم هذا الاتفاق في وثيقة واحدة أو أكثر أو أيا كانت التسمية التي تطلق عليه ".
وجدير بالذكر أن استعمال تعبير المعاهدة أو اتفاقية، فهو تعبير مقبول لدى غالبية الفقه، كتعبير يطلق على كل أنواع الاتفاقيات الدولية، بغض النظر فيما إذا كانت المعاهدة ثنائية Bilateral مكونة بين طرفين فقط أو معاهدة جماعية Multilateral تبرم بين عدد من الإطراف، وسواء أبرمت من خلال
مؤتمر دولي أو بناء على دعوة منظمة دولية، فإن الهدف من هاتين المعاهدتين هو: تنظيم موضوعات تتصل بمصالح المجتمع الدولي كله، فاتفاقية إعلان المبادئ المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين إسرائيل في 13/9/1993، تهم المجتمع الدولي لوضع حد للنزاع، لأن في استمرارية النزاع تهديد امني واقتصادي للمجتمع الدولي، مما دفع الاخير إلى المحاولة في وضع حد لهذا النزاع أو إدارته خشية منه على مصالحه المذكورة .
فالمعاهدة التي عقدت لتنظيم البعثات الدبلوماسية كمعاهدة ( فيينا سنة 1961) تهدف إلى رعاية مصالح المجتمع الدولي، و بعض المعاهدات الجماعية وإن كانت عامة والتي يطلق عليها اسم المعاهدات الشارعة تميزا لها عن المعاهدات العقدية، هي التي تبرم بين دولتين أو أكثر بشأن أمر لا تهم الدول الأخرى عادة ولا يتعدى أثرها إلى الدول لم توقع عليها، ومن أمثلتها المعاهدات التجارية أو معاهدات التبادل الثقافي أو معاهدات الصداقة أو معاهدات التوأمة بين البلدين.
فهذه القواعد لا تعد مصدرا لقواعد عامة التطبيق، على عكس معاهدات الشارعة، التي تنشئ قواعد دولية جديدة مقبولة بصفة عامة من الدول، أو أن تقرر قواعد تستقر في العرف الدولي ويوجد فيها عادة نص يبيح الانضمام إليها من جانب الدول غير الموقعة عليها، كما أنه من المعتاد أن تسير كافة الدول فعلا على مقتضى القواعد الواردة فيها أو أن تعترف بوجود هذه القواعد.

المطلب الثاني
الفرع الأول
إبرام المعاهدات أو الاتفاقيات

تمر الاتفاقية أو المعاهدة قبل أن يتم إبرامها نهائيا بعدة مراحل كقاعدة عامة ، تمر بمرحلة المفاوضات ومن ثم التحرير ومن ثم التوقيع والتصديق وأخيرا التسجيل .

اولا: المفاوضات
المفاوضات هي: عبارة عن ماراثون تفاوضي يستغرق بعض الوقت، يتم فيه تبادل وجهات النظر بين دوليتين أو أكثر بقصد التوصل إلى عقد اتفاق دولي بينهما أو بينهم، يتناول معظم ما ينبغي تنظيمه من شؤون بين المتفاوضين، وجدير بالذكر أن المفاوضات ليس لها نطاق معين، فقد يكون مرحلي كما تم في اتفاقية إعلان المبادئ، أو أن يكون تنظيم العلاقات السياسية بين دولتين كما حصل مؤخرا بين سوريا و لبنان، وقد يكون موضوعها تنظيم علاقات اقتصادية أو قانونية، أو أن يكون القصد منه الوصول الى حل نزاع قائم بين دولتين بالطرق السلمية كما حصل بين إسرائيل ومصر عام 1978 .
كما أنه ليس للمفاوضات شكل محدد يجب إتباعه، فقد يتم من خلال رؤساء الدول أو من خلال لجان أو رؤساء حكومات أو وزراء خارجية أو مسئول مفاوضات بتفويض لمن لا يحمل صفة رئيس دولة أو رئيس وزراء أو وزير خارجية.
ثانيا: تحرير الاتفاقية أو المعاهدة
تنتهي المفاوضات عادة إما بالفشل أو النجاح، فإذا أدت المفاوضات إلى اتفاق سجل بسند مكتوب وحاليا يمكن القول، بأن الكتابة أصبحت شرطا تقليديا تواتر عليه عرف الدول، والحكمة من ذلك أن بالكتابة يقطع أي اختلاف بشأن وجود أو إنكار موضوع معين، وبالرغم من أن تحرير المعاهدة أو الاتفاقية ليست لها قاعدة معينة إلا أنه جرى العمل في تحريرها على إتباع ما يلي :
 القسم الأول: ديباجة تذكر فيها أسماء الدول المشاركة في المعاهدة و أسماء الرؤساء وألقابهم وأسماء ممثلي كل منها وألقابهم وما تم من تبادل التفويضات والاطلاع عليها ثم الباعث على التعاقد وموضوع المعاهدة.
 القسم الثاني: ما يطلق عليه بصلب المعاهدة أو الاتفاقية الذي يحتوي على المسائل التي تم الاتفاق عليها، وتكون مرتبة بشكل فصول مرقومة وبشكل مواد أو نصوص يحدد فيها تاريخ نفاذ المعاهدة ومدة العمل فيها (إعلان المبادئ مرحلة انتقالية مؤقتة)، والإجراءات التي تتبع لتبادل التصديقات عليها و كيفية الانضمام اللاحق إليها من الدول، وغيرها من المسائل العامة وتختتم بتوقيع ممثلي الدول المشاركة في إبرامها ، وكثيرا ما يلحق المعاهدة ملاحق أو برتوكولات تخضع جميعها لذات الشروط التي تخضع لها المعاهدة ولها ذات القيمة لأنها جزء لا يتجزأ منها .
أما لغة المعاهدة، فهي تطفو على سطح المشكلة، فقد تواتر العرف على تحريرها باللغة الانجليزية إذ لم يتم تحديد اللغة، ويتم تحرير المعاهدة على صورة تكتب كل منها باللغة السائدة في كل من دول الإطراف و ينص عليها أن كل صورة لها قوة متساوية في التفسير.
ثالثا: التوقيع
بعد الانتهاء من مرحلة التفاوض والتحرير، تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة التوقيع، الذي يتم عادة من رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات أو وزراء الخارجية، أما إذا كان التوقيع سيصدر من دون ممن ذُكر أعلاه، فيحتاج الموقع إلى تفويض من رئيس الدولة، علما أن ظاهرة التوقيع بالأحرف الأولى للأسماء منتشرة في الوقت الحاضر، ويتم ذكر بصورة خاصة إذا كان المتفاوضون غير مزودين بالتفويض اللازم للتوقيع، أو إذا كانت إحدى الدول مترددة في قبول المعاهدة بشكل نهائي، وفي مثل هذه الحالات لا يكون التوقيع نهائيا بل يمر بمرحلتين، الأولى: هي التوقيع بالأحرف الأولى وهو غير ملزم، والثاني: بالتوقيع النهائي وهو ملزم.
رابعا: التصديق
يقصد منه الحصول على إقرار السلطات المختصة داخل الدولة التي وقعت على الاتفاقية .
وهذه السلطات أما رئيس الدولة منفردا أو رئيس الدولة مشتركا مع السلطة التشريعية أو السلطة التشريعية لوحدها، وكل ذلك يعتمد على دستور كل دولة .
وجدير بالذكر أن الفقه سوغ ضرورة التصديق على المعاهدات، لتنفذ في الدائرة الدولية بمستويات عديدة أهمها:
1 إعطاء الدولة فرصة للتروي وإعادة النظر قبل الالتزام نهائيا بالمعاهدة، سيما وان بعض المعاهدات تشتمل على التزامات في غاية الخطورة وليس من المصلحة أن تتسرع الدولة في قبولها والارتباط بها قبل التروي.
2- تجنب ما قد يثور من خلافات حول حقيقة أبعاد التفويض الممنوح للمفوضين عن الدولة في التفاوض وتوقيع المعاهدة حتى لو تجاوز هؤلاء المفوضين نطاق تفويضهم ، فبعد تصديق صاحب السلطة على المعاهدة يعتبر إجازة لتجاوز المفوضين حدود تفويضهم.
3- إتاحة الفرصة لعرض المعاهدة على ممثلي الشعب في الأنظمة التي تشترط موافقة السلطة التشريعية على كل معاهدة .
إلا أنه في كثير من الأحيان يتم تجاوز بعض الدول لمسألة مراعاة أصول التصديق، بأن يتجاوز رئيس الدولة مسألة مصادقة البرلمان على الاتفاقية، فيرى أنصار المذهب الأول أنه لو تم مخالفة دستور الدولة فينبغي تنفيذ المعاهدة لأن إرادة الدولة يتطلب استكمال شرائط نص عليها دستورها وهي مسألة لا يُعنى بها إلا القانون العام الوطني، أما الإعلان عن إرادة الدولة فهو من اختصاص رئيس الدولة، وأن الاستقرار في العلاقات الدولية أمر مهم، فضلا على أن المنطق القانوني يحتم على أنصار ذلك المذهب، إخضاع القواعد الوطنية للقانون الدولي، ناهيك على أن الدخول في المعاهدة فيه مراحل عديدة يؤدي إلى الاطمئنان والتروي، أما المذهب الثاني فيرى أن النتيجة عكسية، فإذا تم التجاوز فإن الاتفاقية باطلة، لأن التصديق الناقص لا يرتب أثرا، سيما وإن كان دستور الدولة ينص على أن التصديق يجب أن يخضع للسلطة التشريعية ولرئيس الدولة، لأن العبء الذي سينتج عن تلك المعاهدة سيتحمله المواطن.
أما المذهب الثالث فيرى بنفاذ المعاهدة المصدقة بشكل غير صحيح، بالاستناد إلى فكرة مسؤولية الدولة من الناحية الدولية، أي أن الدولة تتحمل المسؤولية الدولية عن التصرف الفاسد الذي صدر عن رئيسها.
وبالتالي ما استقر عليه تواتر العمل بين الدول، هو الأخذ بالمذهب الأول، وما صدر عن القضاء الدولي من أحكام يؤدي إلى اعتماده.
خامسا: التسجيل
يقصد بذلك تسجيل الاتفاقية لدى هيئة الأمم، لتكون الاتفاقية أو المعاهدة مكشوفة ولإطلاع الرأي العام على عقد المعاهدات ومضمونها.
وما يستفاد من نص المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة " أن كل اتفاق أو معاهدة دولية يبرمه أي عضوين من أعضاء الأمم المتحدة يجب تسجيله في أمانة الهيئة وأن تقوم الأخيرة بتسجيله بأسرع ما يمكن وأن عدم تسجيلها يحول دون قيام أو تنفيذ الاتفاقية ما يترتب عليها من حقوق وواجبات " .
سادسا: التحفظات Reservations
عند إبرام معاهدة أو اتفاقية يحصل أحيانا أن تقوم الدولة بإبداء بعض التحفظا ، تُدخل بعض التغييرات أو التعديلات على المعاهدة أو تعطي تحديدا أو تفسيرا معينا لبعض بنودها، وهذه التحفظات قد ترد وقت التوقيع على المعاهدة أو وقت التصديق عليها.
وهنا يجب قبولها من الدول الأخرى، ما لم تقرر المعاهدة بغير ذلك، وهذه التحفظات لها تأثيرات على الاتفاقية بشأن الأمر المتحفظ عليه من حيث التطبيق، وهذا التحفظ قد يرد على الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف (الجماعية).
الفرع الثاني
شروط صحة المعاهدة أو الاتفاقية

اتفق معظم فقهاء القانون الدولي أن المعاهدة تكتمل شروط صحتها بتوافر ثلاثة شروط مجتمعة وهي الأهلية والرضا ومشروعية موضوع المعاهدة .
أما بالنسبة للأولى: أهلية التعاقد حيث أن إبرام المعاهدة مظهر من مظاهر السيادة فلا بد أن يملك أشخاص القانون الدولي العام  الدول و البابا و منظمات الدولية  أهلية إبرام المعاهدات.
أما الدول ناقصة السيادة، فلا يجوز لها إبرام معاهدات إلا في حدود الأهلية الناقصة وفقا لما لها علاقة تبعية من الحقوق، وأما الدول ذات الحياد فلا يجوز لها أن تبرم من المعاهدات مع ما يتنافى مع تلك الحالة من معاهدات التحالف والضمان، أما الأعضاء في الاتحاد الفيدرالي ( الولايات ، الأقاليم ، الكانتونات ) فلا بد من الرجوع إلى دستور دولة الاتحاد فيما إذا كان الأعضاء يملكون حق إبرام المعاهدات أم لا .
وبالنسبة لأشخاص القانون الدولي، عند الدول أو المنظمات الدولية فهم يملكون حق عقد المعاهدة التي تتفق مع الاختصاص المحدود المعترف به لهم.
أما بخصوص الرضا فإنه من المتفق عليه أن يكون رضا الأطراف لقبول الالتزام سليما حرا لا تشوبه عيوب الإرادة، مثل الغلط أو التدليس أو الإكراه، وهذا ما أكده ميثاق فيينا، عندما اعتبرت العيوب الثلاثة أسباب بطلان المعاهدة، كما أضيفت حالة أخرى في المادتين الثامنة والأربعين والثالثة والخمسين من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي تبرر إبطال المعاهدة، وهي حالة إفساد ممثل الدولة بواسطة دولة متفاوضة أخرى.
أما بخصوص مشروعية موضوع المعاهدة، وهو الشرط الأخير لصحة انعقاد المعاهدة أو الاتفاقية، فيشترط أن يكون الأمر الذي تم الاتفاق عليه من المباحثات التي يقرها القانون الدولي، وبما لا يتعارض مع الأخلاق أو تعهدات سابقة، فلا يجوز مثلا مخالفة ميثاق الأمم المتحدة أو مخالفة قواعد الأخلاق كالاتجار بالرقيق أو القيام بأعمال اقتصادية ضد جنس معين.
وفي نهاية المطاف، وبعد أن تتم جميع مراحل الاتفاقية أو المعاهدة ، فإن الجزء الذي يبقى هو تنفيذها والتي تعتبر من أدق مراحل المعاهدة لما تثيره هذه المرحلة من مسائل عديدة تتعلق بالنفاذ، فبعض الاتفاقيات يبدأ تنفيذها بنفاذ مؤقت، بشرط النص على ذلك في الاتفاقية وفق ما تقتضيه المادة الخامسة والعشرون من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، أو إذا تم الاتفاق على ذلك بطريقة أخرى بين المتفاوضين.
ومما لا شك فيه، أن الهدف من النفاذ المؤقت هو إعطاء الدول الفرصة لدراسة الموضوع أكثر حتى لا يكون للنفاذ المؤقت فرصة في ترجمة الاتفاقية على ارض الواقع، عند وجود نصوص مكتوبة غير واضحة المعالم وذلك قبل أن تلتزم الدول بها نهائيا.
وجدير بالذكر، أن لتنفيذ الاتفاقية التزام يقضي بعدم إفساد الغرض منها قبل دخولها دور النفاذ، وفي النهاية لا بد أن يكون تاريخ واضح لبدء تنفيذ المعاهدة أو الاتفاقية سواء كانت اتفاقية ثنائية أم متعددة الأطراف.

 

الفرع الثالث
آثار المعاهدة
سبق وأن بينا أن الاتفاقية أو المعاهدة تمر بمراحل وتنتهي بالتنفيذ الدائم أو المؤقت، وبما أن لكل فعل ردة فعل، فلا بد لهذه الاتفاقية أو المعاهدة ردة فعل تتمثل بالآثار المترتبة على عاقديها، وتنقسم هذه الآثار إلى قسمين: الأول آثار المعاهدة بالنسبة لأطرافها، والثاني آثار المعاهدة بالنسبة للغير.
أولا : بما أن للاتفاقية قوة القانون بين أطرافها فهي التي تلزم جميع الدول التي صدقت عليها أو انضمت إليها، تطبيقا للقاعدة القانونية أن المتعاقد عبر عن تعاقده، وبالتالي ليس للدولة التي وقعت أن تتنصل من التزامها بدافع أنها أصبحت مجحفة أو أكرهت على قبولها لأن في ذلك كارثة دولية تتمثل بخلق منازعات وحروب لا نهاية لها.
مما يعني أن كل دولة وقعت على معاهدة يجب عليها تنفيذها بصبغة الإلزام وبحسن نية، وهذا ما أكدته المادة السادسة والعشرون من اتفاقية فيينا المذكورة، ولا يجوز أن يتمسك أي طرف بقانونه الداخلي كسبب لعدم تنفيذ التزامه، وبما أن المعاهدة أصبحت نافذة، فإن مآل ذلك تطبيقها على جميع أقاليم الدولة ودون استثناء ما لم ينص الاتفاق صراحة أو ضمنا على خلاف ذلك، وبالنتيجة دوام الاتفاقية أو المعاهدة ليس شرطا أن يكون للأبد، إلا أن الانسحاب من تلك المعاهدة يترتب عليه آثار جمة، مما يستدعي للطرف المنسحب تقديم ضمانات كافية لصون العلاقات الدولية، وإلا كانت الفوضى سيدة الموقف.
لذا يستدعي مراعاة الانسحاب والآثار المترتبة عليه، الأمر الذي يستدعي تطبيق حكم المادة الخامسة والستون من اتفاقية فيينا وما يليها، بأن يقوم الطرف الراغب في التحلل أو الانسحاب من المعاهدة بإبلاغ الأطراف الموقعة على الاتفاقية كتابة مع إيضاح الإجراء الذي يقترح اتخاذه بالنسبة للمعاهدة وأسباب ذلك، فإذا مضت فترة لا تقل عن ثلاثة شهور دون أن يصدر أي اعتراض من أي طرف آخر، يقوم الطرف صاحب الإبلاغ بالإجراء الذي اقترحه، أما إذا صدر اعتراض من أي طرف آخر فعلى الأطراف أن يتخذوا حلا عن طريق الوسائل المبينة في المادة الثالثة والثلاثين من ميثاق الأمم المتحدة .
ثانيا : اثر المعاهدة بالنسبة للغير
إن القاعدة القانونية تقتضي بأن المعاهدة الدولية لا تلزم إلا عاقديها ولا يمتد أثرها إلى دول ليست أطرافا فيها، وهو ما يطلق عليه مبدأ نسبية المعاهدات وهذا ما اخذ به القضاء الدولي، فمثلا صدر الحكم عن المحكمة الدائمة بتاريخ 4/4/1928 في قضية جزيرة بلماس بين هولندا والولايات المتحدة، إذ خلصت المحكمــــــــة بحكمهــــــــا"أن الاتفاقية الموقعة بين الولايات المتحدة واسبانيا التي تنازلت الأخيرة عن ممتلكاتها في المحيط الهادي وعن حقها في جزيرة بلماس للولايات المتحدة، لا يتيح لها مواجهــــة هولندا التي لم تكن طرفا فيها".

 

 

 

 

المبحث الثاني
إعلان المبادئ الفلسطينية
الإسرائيلية 13/9/1993
لمحة تاريخية

الإحداث التاريخية التي عصفت في منطقة الشرق الأوسط، منذ خسارة العرب لحرب عام 1967 جعلت منظمة التحرير الفلسطينية تكسب الرأي العام العربي وخصوصا عندما تم تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، بجعل الكفاح المسلح أساسا للحفاظ على الهوية الفلسطينية والتعبئة الوطنية، واُعتبر الكفاح المسلح لتحرير فلسطين هدفا للمنظمة من اجل الوحدة العربية، ولكسب ثقة الجماهير، كما استطاعت المنظمة نيل ثقة الدول العربية في قمة الرباط عام 1974 عندما اعترفت الأخيرة بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، واستطاع المرحوم ياسر عرفات استغلال ذلك الحدث بدخول هيئة الأمم المتحدة وإلقاء خطابة الشهير" بأنه يحمل بندقية في يده وفي اليد الثانية يحمل غصن الزيتون فطالب بعدم إسقاط غصن الزيتون من يده ".
وبعيدا عن حرب لبنان عام 1975 وأسباب اندلاعها وفيما إذا كانت المنظمة لها دور في ذلك أم لا ، وبعيدا كذلك عن مسألة خروج المنظمة من بيروت، إلا أن حدثا آخر مهم وقع في فلسطين وهو الانتفاضة الأولى في عام 1987، وإن كانت هذه الانتفاضة عفوية، فاستطاعت منظمة التحرير استغلالها بشكل جيد أدى نشوب شرارتها الأولى في أحداث دامية، عندما كان الفلسطينيون يقاومون الاحتلال الإسرائيلي بحجر مقابل بندقية، مما جعل من هذه الأحداث وفكرة المنظمة بإعلان الاستقلال في 15 /11/1988 من تونس حدثا عالميا أزعج إسرائيل لاعتراف عدد كبير من الدول بهذا الاستقلال المعنوي، وإن كان بهذا الاعتراف يعني قبول منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني بمساحة 22% من مساحة فلسطين التاريخية وسيطرة إسرائيل على 78% من باقي فلسطين، أي أذعنت منظمة التحرير بالقرارين الصادرين عن مجلس الأمن رقمي 242 و 338 .
ومن هنا يرى البعض، أن المفاوضات السرية بدأت، رغم أنها كانت في عهد الملك المغربي الراحل حسن الثاني، أي منذ السبعينيات من القرن الماضي، ومحاولة الرئيس المصري السابق أنور السادات إحداث نقلة نوعية بمفاوضاته المباشرة مع إسرائيل عام 1978 لرد الحقوق بما فيها فلسطين، إلا ان قطيعة الجامعة العربية للرئيس السادات نتيجة تفرده بالسلام دون تنسيق مسبق، جعل من منظمة التحرير تتريث في التقدم باتجاه أي خطوة تخرج عن نطاق جامعة الدول العربية، واستمرت الأحوال بين مد وجزر، إلى أن حدث شرق أوسط جديد بعد الحرب التي وضعت أوزارها على العراق في عام 1991، وبدأت مفاوضات السلام في مدريد لتكون للولايات المتحدة موطأ قدم بتواجد عسكري مكثف في منطقة الشرق الأوسط تحت مسميات عديدة، منها نشر ثقافة الديمقراطية ومحو الاستبداد والظلم والقهر، وبكسب دول التحالف للحرب على دولة العراق الذي خرج منتصرا من حربه على إيران عام 1988، لا بد من وجود شرطي عالمي لحماية إسرائيل من أخطار مستقبلية، الأمر الذي رأت فيه الدول الكبرى بأن مصالحها ستكون في أفضل حال بوجود إسرائيل وبتواجد عسكري أمريكي مع إمكانية إعطاء العرب بريق أمل بحل الصراع من خلال مفاوضات اللانهائية تحت مسمى إدارة الصراع.
إذ بدأت المفاوضات السرية وتمخضت بولادة إعلان المبادئ، وبوجود مرحلة انتقالية لمدة خمس سنوات منذ 4/5/1994 حتى 4/5/1999، تلك المرحلة التي انتهت منذ ما يزيد على العشرين عاما تقريبا، ولم تبدأ بعد المرحلة النهائية، لأسباب عديدة غني عن ذكرها لأنها معلومة للصغير قبل الكبير.
وبوجود اتفاقية إعلان المبادئ التي أبرمت بين الفلسطينيين ممثلة بمنظمة التحرير وإسرائيل ممثلة بحكومتها في 13/9/1993، أصبح حلم المنظمة ممكن لا بل قائم، بإنشاء دولة أو حكومة على ارض الوطن للفلسطينيين الذين لم يستطيعوا أن يُكوِنوا كيانا لهم منذ مئات السنين.
وإننا في هذا المقام لا بد من قول كلمة حق، أنه مهما أُلحق بالفلسطينيين من ظلم وبطش سواء من ذوي القربى أو من الغير، و بالرغم من عيوب منظمة التحرير الكثيرة في إجراءات المفاوضات وما تبعه من التزامات تفوق قدرة دول أنشأت منذ زمن طويل، إلا أن المنظمة ساهمت بوضع فلسطين على الخريطة العالمية مرة أخرى وهو أمر ايجابي لا يستطيع احد إنكاره.
و لذلك لابد التعرف على اتفاقية إعلان المبادئ والمرحلة الانتقالية من حيث تبادل الخطابات والصلاحية والولاية والحكم القانوني لهما من خلال القانون الدولي.

المطلب الأول
خطابات الاعتراف

سبق وأن اشرنا في المبحث الأول أن الاتفاقية أو المعاهدة تمر بمراحل، المتمثلة بالمفاوضات ومن ثم التحرير والتوقيع والتصديق وأخيرا التسجيل، كما اشرنا في ذلك المبحث انه ليس للمفاوضات نطاق معين ، فقد يكون مرحلي لإنشاء علاقة قانونية لم يسبق وجودها، أو أن يكون تنظيم علاقات سياسية من جديد سبق وأن كانت لكن قطيعة معينة حدثت لإشكال معين.
وجدير بالذكر أن خطابات الاعتراف تعد جزء من المفاوضات، وإسرائيل عندما أرادت بوجود مثل هذه المرحلة، فهي أرادت أن تجعل من عدوها اللدود وهي منظمة التحرير، مؤمنة بوجود إسرائيل كأمر واقع ولأخذ الاعتراف من صاحب الحق، كأساس لقبول باقي الدول العربية بوجودها، انطلاقا من المبدأ الغربي " يجب ألا يكون العرب فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين" .
ومن هنا بدأت المنظمة تقع في المصائد المنصوبة لها، إذ المطلع على خطاب الرئيس الراحل ياسر عرفات والموجه إلى إسحاق رابيين رئيس وزراء إسرائيل الراحل بتاريخ 9/9/1993 فقد تضمن اعتراف المنظمة بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام وأمن جديد وتقبل المنظمة قراري مجلس الأمن رقم 242 و338 وأن المنظمة تلزم نفسها بعملية السلام في الشرق الأوسط وبالحل السلمي للصراع بين الجانبين، كما ألزم رئيس المنظمة نفسه من خلال المنظمة بإلزام كل عناصر وأفراد المنظمة بمجرد التوقيع على إعلان المبادئ التي ستعتبر حقيقة تاريخية خالية من العنف وسيتم إدانة الإرهاب واستخدامه ومنع الانتهاكات، وفرض الانضباط لمنع تلك الانتهاكات، وبمضمون هذا الخطاب، تعهد الرئيس الراحل بتعديل الميثاق الوطني بخصوص الفقرة الخاصة التي تنكر حق إسرائيل بالوجود.
أما رد رئيس وزراء إسرائيل الراحل اسحاق رابين، فقد أكد على ضوء التزام منظمة التحرير المتضمن في خطاب الرئيس عرفات، بأن إسرائيل قررت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني، وأن إسرائيل ستبدأ مفاوضات مع منظمة التحرير في إطار عملية السلام بالشرق الأوسط، دون أن يلزم رئيس وزراء إسرائيل نفسه بأي التزام خارج نطاق المفاوضات.
وللتعليق على ذلك الخطاب، يلاحظ أن رابين كان دقيقا في خطابة، مما يدل على أن رابين لم يكن يتصرف لوحده، وإنما طاقم كبير من المسئولين القانونيين والسياسيين والخبراء كانوا بجانبه حتى لا يجعل من خطابه غير متوازن، وكي لا يُحمل إسرائيل أي التزام خارج دائرة المفاوضات، بل إن رابين في خطابه كان يعتبر منظمة التحرير وكأنها الدخيل على أرضه، و لكن من باب الأمر الواقع لا بد التعامل مع الدخيل بصورة لا تنفي عدم وجوده من الأصل، وهذا الأمر كان شديد الوضوح في الخطاب، و بذات الوقت كان مفقودا لدى الجانب الفلسطيني، الذي ألزم نفسه بخطوة تعد خارجة عن إطار المارثون والكفاح التفاوضي، بل إن الجانب الفلسطيني أكد على أن المقاومة و نضاله المشروع والمكفول بموجب ميثاق الأمم المتحدة أصبح إرهابا وعنفا.
وهذا ما أكده خطاب الرئيس الفلسطيني الراحل إلى وزير خارجية النرويج يوهان هولست ، بأن منظمة التحرير تعارض العنف والإرهاب وترغب المساهمة في السلام والاستقرار والمشاركة بفاعلية في إعادة البناء والتنمية الاقتصادية والتعاون، كما أن ترتيبات إعلان المبادئ والتي مُثلت فيها إسرائيل، تم انتقاء المصطلحات التي تدل على الإرهاب والعنف، وإنما تم استخدام مصطلحات تدل على أن إسرائيل الضحية والفلسطينيين هم المعتدون، وسنلاحظ ذلك من خلال المطلب التالي.

 

 


المطلب الثاني
إعلان المبادئ للحكومة الذاتية الانتقالية

تضمن ذلك الإعلان ترتيبات وضع الحكومة الذاتية الانتقالية بحيث صيغة مقدمة الاتفاق على النحو الآتي:-
" إن حكومة دولة إسرائيل والفريق الفلسطيني (في الوفد الأردني-الفلسطيني) إلى مؤتمر السلام في الشرق الأوسط  الوفد الفلسطيني  ممثلا للشعب الفلسطيني يتفقان على أن الوقت قد حان لإنهاء فترة من المواجهة والنزاع والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة والسعي للعيش في ظل تعايش سلمي وبكرامة وأمن متبادلين ولتحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة وشاملة ومصالحة تاريخية من خلال العملية السياسية المتفق عليها.
وبموجب تلك المبادئ اتفق الطرفان على سبعة عشر موضوعا منها :
هدف المفاوضات - إطار الفترة الانتقالية  الانتخابات الولاية - الفترة الانتقالية ومفاوضات الوضع الدائم - النقل التمهيدي - الصلاحيات والمسؤوليات  الاتفاق الانتقالي - النظام العام والأمن  القوانين والأوامر العسكرية - لجنة الارتباط المشتركة الإسرائيلية الفلسطينية -التعاون الإسرائيلي الفلسطيني في المجالات الاقتصادية الارتباط والتعاون مع الأردن ومصر  إعادة التموضع - إعادة الانتشار - الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ومنطقة أريحا  تسوية المنازعات - التعاون الإسرائيلي الفلسطيني فيما يتعلق بالبرامج الإقليمية - بنود متفرقة .
وان ما يهمنا في هذا الجانب من البحث، هو "الولاية والصلاحية "وانتقال السلطة والجانب التطبيقي العملي على ارض الواقع، بحيث سنخصص لكل منها مجال واسع .

المطلب الثالث
الولاية
شملت المادة الرابعة من إعلان المبادئ حول الترتيبات للحكومة الذاتية الانتقالية ما يلي :
" سوف تغطي ولاية المجلس ارض الضفة الغربية وقطاع غزة، باستثناء القضايا التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع الدائم، يعتبر الطرفان الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة ترابية واحدة، يجب المحافظة على وحدتها وسلامتها خلال الفترة الانتقالية".
وبموجب المحضر المتفق عليه لإعلان المبادئ حول ترتيبات حكم الذاتي الانتقالي، فقد نصت المادة الرابعة من ذلك الاتفاق على أن " ولاية المجلس ستمتد على ارض الضفة الغربية وقطاع غزة باستثناء تلك المسائل التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع الدائم: القدس - المستوطنات- المواقع العسكرية والإسرائيليين ، وستُسوى ولاية المجلس فيما يخص الصلاحيات والمسؤوليات والمجالات والسلطات المنقولة إليه المتفق عليها".
ولا بد الإشارة هنا أن مصطلح المجلس ورد تعريفه في المادة الأولى من اتفاقية إعلان المبادئ وهو السلطة الحكومية الذاتية الانتقالية الفلسطينية "المجلس المنتخب للشعب الفلسطيني" في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات تؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن 242 و 338 ، وبموجب المادة الخامسة من اتفاقية قطاع غزة ومنطقة أريحا الموقعة بتاريخ 4/5/1994 اللاحقة على اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة بتاريخ 13/9/1993 ، فإن ولاية المجلس شملت السلطة الفلسطينية بكل الأمور التي تقع داخل ولايتها الإقليمية والوظيفية والشخصية كما يلي:-
أ‌- الولاية الإقليمية تغطي أراضي قطاع غزة ومنطقة أريحا باستثناء مناطق المستوطنات والمنشآت العسكرية، وتشمل الولاية الإقليمية الأرض وما في باطنها والمياه الإقليمية طبقا لشروط الاتفاقية .
ب‌- الولاية الوظيفية تشمل كل الصلاحيات والمسؤوليات كما هي محددة في هذه الاتفاقية ولا تشمل هذه الولاية العلاقات الخارجية والأمن الداخلي والنظام العام للمستوطنات ومنطقة المنشآت العسكرية والإسرائيليين والأمن الخارجي.
ت‌- الولاية الشخصية تمتد لكل الأشخاص في نطاق الولاية القضائية الإقليمية المشار إليها أعلاه، باستثناء الإسرائيليين ما لم يذكر غير ذلك في هذه الاتفاقية ..."
وبموجب هذه المادة منحت السلطة الفلسطينية في نطاق سلطاتها صلاحيات مسؤوليات تشريعية وتنفيذية وقضائية وأبقت إسرائيل ولايتها على المستوطنات والمنشآت العسكرية والإسرائيلية والأمن الخارجي والداخلي التي ستستمر في أن يكون لها المسؤوليات الضرورية التشريعية والقضائية والتنفيذية وفقا للقانون الدولي، كما شملت تلك المادة ولاية السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بالمجال الكهرومغناطيسي والمجال الجوي بموجب شروط قانونية وبروتوكولات تتعلق بالأمور القانونية.
وجدير بالذكر سبق وأن بينا، أن الاتفاقية المؤرخة في 4/5/1994 أُلحقت ببروتوكولات خاصة، لتنفيذ مضامين تلك الاتفاقية، ومن ضمن تلك البروتوكولات ما يتعلق بالأمور القانونية، ليكون للسلطة الفلسطينية ولاية جنائية وأخرى مدنية ضمن نطاق ولاية المجلس الممتدة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا ما استثنى من ذلك الإقليم، على أن تطبيق القوانين والأوامر العسكرية تبقى لحين إنشاء سلطة تشريع.
أولا: أما بالنسبة للولاية الجنائية، فقد استأثرت إسرائيل لوحدها بالولاية الجنائية على الجرائم التي ترتكب في المستوطنات والمنشآت العسكرية والجرائم التي يرتكبها الإسرائيليين في الإقليم، بمعنى أن الفلسطينيين اللذين يرتكبون جرائم في المناطق المشار إليها أعلاه أو ضد إسرائيليين، فإن القضاء الإسرائيلي صاحب الولاية في المحاكمة سواء كان ذلك أمام المحاكم العسكرية كما هو منصوص عليه في المادة الخامسة من اتفاقية قطاع غزة و أريحا أو أمام محاكمها النظامية، وما دون ذلك تشمل الولاية الجنائية للسلطة الفلسطينية جميع الجرائم التي ترتكب في الإقليم وهي المناطق الخاضعة لها دون السائحين العابرين إلى إسرائيل أو منها عن طريق قطاع غزة أو منطقة أريحا، وبالتالي في حال ارتكاب إسرائيلي جريمة داخل الإقليم أو سائح يسلم إلى الجانب الإسرائيلي فورا، وفي حال ارتكاب شخص غير إسرائيل في الإقليم ضد إسرائيل أو شخص إسرائيلي تتخذ السلطة الفلسطينية الإجراءات القانونية ضده وتبلغ إسرائيل بالإجراءات القانونية المتخذة.
كما تضمن ذلك البروتوكول أمورا تتعلق بالمساعدة القانونية في الأمور الجنائية والتي تتمثل بالتعاون الشرطي بين الشرطة الإسرائيلية والفلسطينية في إدارة التحقيقات وتبادل المعلومات والسجلات والبصمات وملفات تسجيل ملكية المركبات ... وتتعاون القوات العسكرية الإسرائيلية والشرطة الفلسطينية في إدارة التحقيق في حالة ارتكاب مخالفة في الإقليم من قبل إسرائيلي بالاشتراك مع شخص خاضع للولاية الشخصية الفلسطينية، كما لم يجز ذلك البروتوكول للسلطات الفلسطينية القبض على الإسرائيلي أو إيقافه أو حجزه، بمعنى أن السلطة الفلسطينية لا ولاية قضائية لها على الإسرائيلي ولو ارتكب الأخير جريمة على الفلسطينيين أو في الإقليم الفلسطيني، ونص ذلك البروتوكول على أمور عديدة تتعلق بأصول الاستجواب والتحقيق عندما يكون المشتبه به إسرائيليا أو غير إسرائيلي(اجنبي)، وقضية التسليم فضلا عن ذلك تتضمن على أصول خاصة فيما يتعلق بأمور منع السفر وتنفيذ أوامر المحاكم لأغراض التحقيق، وآلية سماع شهادة شاهد إسرائيلي مطلوب بشأن الإجراءات التي ستنفذها محكمة فلسطينية.
ثانيا: أما بخصوص الولاية المدنية، فمُنحت السلطة الفلسطينية الولاية المدنية على جميع الأمور المدنية والإسرائيليين الذين يزاولون أعمالا تجارية في الإقليم يخضعون للقانون الفلسطيني، إلا أن التنفيذ تتولاه إسرائيل وتلتزم بذلك ، كما اعتبرت المحاكم والسلطات القضائية الفلسطينية صاحبة الولاية على أي موضوع تجاري مستمر قائم في الإقليم كما هو الحال بالنسبة للشركات، أو ممتلكات عقارية داخل الإقليم وإن كان يملكه إسرائيلي وأن يكون الطرف الإسرائيلي في موقف دفاع في القضية ووافق على ولاية المحاكم الفلسطينية خطيا بذلك، أو كان اتفاق خطي موقع من الإسرائيلي لتكون محاكم السلطة صاحبة الاختصاص أو عندما يصبح الإسرائيلي له دعوى في الإقليم، على أن لا تشمل ولاية المحاكم الفلسطينية الدعاوى التي ترفع ضد إسرائيل بما فيها الكيانات والهيئات والوكالات القانونية، كما اشتملت على تبعية تنفيذ الأوامر والأحكام القضائية لدى كل طرف.
المطلب الرابع
الصلاحية
إن الذي يقصد بالصلاحية بموجب اتفاقية إعلان المبادئ في 13/9/1993 هو نقل المسؤولية من سلطة إلى سلطة أخرى، بحيث نصت المادة 17 منها أن هذا الاتفاق يدخل حيز التنفيذ بعد شهر من توقيعه.
وبموجب المادة السادسة من ذلك الاتفاق، تنتقل السلطة من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية إلى الفلسطينيين المخولين بهذه المساحة، حيث سيكون هذا النقل للسلطة ذات طبيعة تمهيدية لحين تنصيب المجلس.
إذ ستنتقل الصلاحيات للسلطة الفلسطينية في مجالات التعليم والثقافة والصحة والشؤون الاجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة ومجالات أخرى .
كما انه وبموجب الاتفاق الانتقالي سيتم تحديد هيكلية المجلس وعدد أعضائه ونقل الصلاحيات والمسؤوليات من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية إلى المجلس، وسوف يحدد الاتفاق الانتقالي أيضا سلطة المجلس التنفيذي والتشريعي وبعد تنصيب المجلس سيتم حل الإدارة المدنية وانسحاب الحكومة العسكرية الإسرائيلية.
ولما كان هذا الاتفاق يحتاج إلى بروتوكول خاص، فقد ألحقت الاتفاقية ببروتوكول حول الانسحاب للقوات العسكرية لنقل الصلاحيات للمجلس أو السلطة الفلسطينية في الإقليم وهو قطاع غزة ومنطقة أريحا، ومن هنا يلاحظ أن الجانب الإسرائيلي تعمد ذكر منطقة أريحا ليكون لهذا المصطلح محل تفسير.
بحيث تعمد الجانب الإسرائيلي ذكر منطقة أريحا دون أريحا، لأن المنطقة يقصد بها جزء من كل، وهذا ما لم ينتبه له الجانب الفلسطيني إلا في مراحل متأخرة، بحيث تم الاتفاق بموجب ذلك البروتوكول على آلية الانسحاب للقوات العسكرية من قطاع غزة ومنطقة أريحا والفترة الزمنية لتنفيذ ذلك، مع إمكانية وجود قوة دولية وإقامة لجان متفرقة في مجال الأمن، وآلية العبور عبر معبر رفح وجسر اللنبي ( جسر الملك حسين) وبموجب المحضر المتفق عليه لإعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي تعهد الجانب الفلسطيني بما يلي:
أولا: إبلاغ الجانب الإسرائيلي بأسماء الفلسطينيين المفوضين الذين سيتولون الصلاحيات والسلطات والمسؤوليات التي ستنتقل إلى الفلسطينيين ومنها: التعليم والثقافة والصحة والشؤون الاجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة وأية سلطات أخرى متفق عليها، ومن ضمن نقل الصلاحيات والمسؤوليات تم الاتفاق على نقل المسؤولية الأمنية للشرطة الفلسطينية بطريقة ممرحلة، وتأكيد لما ورد أعلاه، أكدت اتفاقية قطاع غزة ومنطقة أريحا على موضوع الانسحاب المجدول للقوات العسكرية الإسرائيلية لتسليمها للشرطة الفلسطينية، على أساس إعادة نشر قواتها العسكرية لضمان الأمن الداخلي والخارجي والنظام العام للإسرائيليين والمستوطنات وهذا جميعه لضمان الانتقال السلس والسلمي للصلاحيات وفق ما نصت عليه المادة الثالثة من نقل السلطة .
ثانيا: هيكل وتكوين السلطة الفلسطينية
بموجب المادة الرابعة تتكون السلطة الفلسطينية من هيئة واحدة مكونة من أربعة وعشرين عضوا وتكون مسئولة عن كل الصلاحيات التشريعية والمسؤوليات التنفيذية المخولة لها بمقتضى هذا الاتفاق شريطة تبليغ إسرائيل باسم أعضاء السلطة الفلسطينية وفي حال إجراء تغيير يجب إبلاغ الجانب الإسرائيلي بذلك، وتضمنت هذه المادة بأن يتعهد كل عضو ينضم إلى وظيفته العمل طبقا لما جاء في هذه الاتفاقية.
ثالثا: مسؤوليات وصلاحيات السلطة الفلسطينية
أ‌ تضمنت المادة السادسة من الاتفاقية المشار إليها أعلاه صلاحيات للسلطة الفلسطينية ضمن إطار ولايتها في الإقليم صلاحيات تشريعية ( لإقرار القوانين واللوائح التشريعية وهذا ما أكدته المادة السابعة من تلك الاتفاقية ) وقضائية وتشكيل سياسات للإشراف على تنفيذها وتوظيف العاملين وإقامة الدوائر والسلطات والمؤسسات، بالإضافة إلى سلطات وصلاحيات تتعلق بالسكان والسجلات الخاصة بهم، وبموجب الاتفاقية الممرحلة منحت السلطة الفلسطينية صلاحية التمثيل الدبلوماسي داخل الإقليم بإنشاء قنصليات وممثليات ولها أن تقيم ممثليات أو قنصليات في الخارج مع حق السلطة في إبرام اتفاقيات اقتصادية واتفاقيات بغرض تقديم الدعم المالي للسلطة وخطط تموينية واتفاقيات ثقافية وعلمية وتعليمية.
ب‌- المادتان الثامنة والتاسعة من الاتفاقية ومن ضمن نقل الصلاحيات، اعتبرت وجود قوة شرطية أمنية عامل أساسي في ذلك النقل لما يترتب عليهما من مسؤوليات وواجبات وحددت أنواع السلاح الواجب استخدامه وحجم الذخائر.
ت‌- نظمت بعض أحكام المواد في الاتفاقية أمورا أخرى تتعلق بنقل الصلاحيات منها ما يتعلق بالمنافذ والممر الآمن بين قطاع غزة ومنطقة أريحا، وكذلك فيما يتعلق بمنع الأعمال العدائية والأمن على طول الخط الشاطئ وفي بحر غزة وإنشاء قوة شرطية بحرية بالإضافة إلى تشغيل المجال الجوي بشرط موافقة إسرائيل على ذلك.
ث‌- أما بخصوص الأمور المدنية، وبموجب البروتوكول الخاص بالشؤون الحياتية اليومية والذي أطلق عليه بروتوكول خاص بالشؤون المدنية، فقد تضمن ذلك البروتوكول لجان مشتركة للتعاون في الأمور المدنية ليتم تسهيل نقل السلطات والمسؤوليات من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية إلى السلطة الفلسطينية والتي تتعلق بالطرق والكهرباء وغيرها من البنية الأساسية التي تتطلب التنسيق، وفيما يتعلق كذلك بالعبور من والى قطاع غزة ومنطقة أريحا والممر الآمن والمعابر الدولية .
وبالتالي تضمنت المادة الثامنة من ذلك البروتوكول انه في التاريخ المحدد لنقل السلطات والمسؤوليات من حيازة الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية للسلطة الفلسطينية بشأن المكاتب ومخصصات الميزانية والأرصدة والحسابات المالية والمعدات والسجلات والملفات وبرامج الحاسب الآلي، وغيرها من الممتلكات المنقولة اللازمة لعمل السلطة الفلسطينية وتتمثل هذه المسؤوليات لنقلها إلى السلطة الفلسطينية بما يلي: الشؤون الداخلية الخاصة بالبلديات وإصدار التراخيص للصحف والمطبوعات والرقابة على الأفلام والمسرحيات وتعيين المخاتير، مصائد الأسماك، المسح، الإحصاءات، مراقبة الحسابات، موظفو الإدارة المدنية والاحتفاظ بالموظفين، الإدارة القانونية من إدارة المحاكم وإصدار تراخيص للمحاميين، العمل، التعليم الرعاية الاجتماعية، السكان والإسكان، عمليات التقييم، الحدائق العامة، الشؤون الدينية، معاشات الموظفين، تسجيل الأراضي، المحميات الطبيعية، الكهرباء، الأشغال العامة، الخدمات البريدية، سجل السكان والوثائق، أراضي الحكومة والغائبين والعقارات، الاتصالات، الآثار، المياه والصرف الصحي، التخطيط وتنظيم المناطق، الضرائب غير المباشرة، حماية البيئة، الغاز والبترول، التأمين، الخزانة.
ولتأمين نقل الصلاحيات المتعلقة بالأمور المدنية دون الأمن، فقد تم إرفاق بروتوكول خاص بشأن العلاقات الاقتصادية للاتفاقية المشار إليها أعلاه وهو الملحق الرابع لتعزيز التعاون الاقتصادي لما فيه من تنمية للسلطة الفلسطينية .
رابعا : الحقوق والمسؤوليات والالتزامات
نصت المادة 22 من اتفاقية قطاع غزة ومنطقة أريحا: بأن تسهل نقل كل الصلاحيات والمسؤوليات للسلطة الفلسطينية على جميع الحقوق المتحصلة والمسؤوليات فيما يتعلق بالأعمال أو الإلغاءات التي حدثت قبل النقل، وإسرائيل أعفت نفسها من تحمل أية مسؤولية مالية تتعلق بهذه الأعمال أو الإلغاءات وألقت العبء المالي على الجانب الفلسطيني فقط.
و جدير بالذكر في هذا المقام، أن إسرائيل وبموجب إعلان المبادئ وما لحقه من اتفاقيات، خالفت ونقضت ما وقعت عليه، لأن المطلع على الاتفاقيات و ما صدر عن الإدارة العسكرية من أوامر عسكرية، يجعل من المرء معتقدا بوجود كيانين في إسرائيل، حكومة مدنية وأخرى عسكرية ولكل منهما اختصاص منفصل عن الآخر، و في حقيقة الأمر ليس كذلك، وإنما أرادت إسرائيل خلط الأوراق واعتبار السلطة العسكرية أمر قائم لا يمكن تجاهله، لأن الاحتلال لم ينتهي بعد، ولأن لهذه السلطة حقوق و واجبات يجب مراعاتها بالاستناد لقواعد القانون الدولي، مما جعل تمادي الجهة العسكرية و ما زال ورضوخ الجانب الفلسطيني لهذا الوضع، سببا في استمرارية إصدار الأوامر العسكرية دون وجه حق حتى يومنا هذا.
و إن الرأي السديد بخصوص تطبيقات اتفاقية أوسلو ( إعلان المبادئ ) وما تبعه من اتفاقيات وقعت في مصر أو الولايات المتحدة أو في أي مكان في العالم، يقتضي أخذ الدروس والعبر من الجانب الفلسطيني الذي أرهق نفسه بالتمسك بالاتفاقيات دون اكتراث الجانب الآخر لما يترتب عليه من التزام، بل إن ذلك الجانب يدعي بتقصير الجانب الفلسطيني في تنفيذ التزاماته، رغم شهادة معظم دول العالم بتنفيذ الجانب الفلسطيني لالتزاماته.
و لما كانت الاتفاقية المبرمة بين المنظمة والجانب الإسرائيلي لها طابع دولي، فعلينا كفلسطينيين اللجوء للقواعد المنظمة في القانون الدولي وأن نُحسن اختيارها، و لا يتأتى ذلك إلا من خلال منهجين، الأول الاعتماد على خبراء محليين فلسطينيين أو مقيمين في الخارج يتقنون لغة القانون الدولي و لا بأس الاستعانة بخبراء أجانب ممن يشهد لهم بالاستقامة وإن كانوا من علماء اليهود ( كما هو الحال في القاضي السابق غولدستون)، والثاني تحصيل حاصل للمنهج الأول مع كثرة التوجه لأشخاص القانون الدولي العام وإن قُطعت المساعدات، لأن في ذلك كسب للرأي العام الدولي الذي له محل تأثير في سياسات الدول.
و بنجاح ذلك العمل تستطيع السلطة الفلسطينية بعد كسب الرأي العام العالمي، أن تلوح بكل ثقة أن تعنت الجانب الإسرائيلي في تنفيذ التزاماته سيؤدي في نهاية المطاف إلى عدم استمرارية العمل بالاتفاق مما يعني الحل من الالتزام انطلاقا من القاعدة الدفع بعدم التنفيذ، و بالتالي إعادة الحال لما كان عليه قبل التعاقد.
الأمر الذي سيجعل من الأمن والاقتصاد الدوليين على المحك، و هو ما سيزعج الدول الكبرى مما ستُلزم إسرائيل بالتقييد بالقواعد التي تم الاتفاق عليها، للانتقال للمرحلة التالية وهي مرحلة الوضع النهائي على أساس اتفاقية إعلان المبادئ، وإلا ستنتظر السلطة الفلسطينية إلى ما لا نهاية، لأن الجانب الآخر متمرس في إدارة الصراع.
إن تمكنا من الوصول لذلك الهدف وهو ما نتمناه فكما يقال خير و زين، و إلا على الجانب الفلسطيني التلويح بخيار الحِل من الالتزام، لأن الجانب الفلسطيني وبناء على ما ذكر في المباحث السابقة يستطيع أن يتحلل من الاتفاقية بالشروط السابق ذكرها، أو أن يقوم بتفعيل العمل بميثاق الأمم المتحدة الذي كفل للشعب المحتل أن يقاوم و يكافح الاحتلال بكافة الطرق لإخراج المحتل من أرضه لحين تعديل ميثاق الأمم المتحدة واعتبار ذلك الكفاح عملا إرهابيا

 

المصادر
1- ميثاق الأمم المتحدة.
2- اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969.
3- اتفاقية إعلان المبادئ الفلسطيني والإسرائيلي المؤرخة في 13/9/1993، وما لحقها من بروتوكولات.
4- اتفاقية قطاع غزة و منطقة أريحا المؤرخة في 4/5/1994، وما الحق فيها من بروتوكولات أو ملاحق.
5- قرارات صادرة عن المحاكم الدولية.

لمراجع باللغة العربية
1- حامد سلطان، القانون الدولي العام ، طبعة 4 ، دار النهضة العربية القاهرة، 1987.
2- عبد الكريم علوان ، المبادئ العامة في القانون الدولي العام، الكتاب الأول ، جامعة عمان الأهلية ، طبعة أولى ،1997.
3- علي صادق أبو هيف ، القانون الدولي العام ،طبعة11، منشأة المعارف بالإسكندرية.
4- محمد سامي عبد الحميد و مصطفى سلامة حسين ، دروس في القانون الدولي ، دار المطبوعات الجامعية.

 

 

 

 

الفهرس

الموضوع الصفحة

1- المقدمة 1
2- تمهيد 3
المبحث الأول
3-الاتفاقيات أو المعاهدات 4
4- المطلب الأول ماهية المعاهدة وأنواعها 4
5- المطلب الثاني( الفرع الأول ) إبرام المعاهدة 5
6- الفرع الثاني شروط صحة المعاهدة 8
7- الفرع الثالث آثار المعاهدة 10
المبحث الثاني

8- إعلان المبادئ ( لمحة تاريخية ) 11
9- المطلب الأول خطابات الاعتراف 12
10- المطلب الثاني إعلان المبادئ للحكومة الذاتية 14
11- المطلب الثالث الولاية 14
12- المطلب الرابع الصلاحية 16
13- الخاتمة 20
14- المصادر و المراجع 21

الكاتب: lana بتاريخ: الأربعاء 05-12-2018 08:46 مساء  الزوار: 1645    التعليقات: 0



محرك البحث
الحكمة العشوائية

اليوم خمر وغدا أمر. ‏
تطوير تواصل بإستخدام برنامج البوابة العربية 3.0 Copyright©2012 All Rights Reserved