||
اخر ألاخبار
المتواجدون حالياً
المتواجدون حالياً :22
من الضيوف : 22
من الاعضاء : 0
عدد الزيارات : 35607768
عدد الزيارات اليوم : 3827
أكثر عدد زيارات كان : 59321
في تاريخ : 18 /01 /2020
تعليق على شطب بند الدين من بطاقة الهوية الفلسطينية

   بقلم  المحامي  د. معتز قفيشة عميد كلية الحقوق، جامعة الخليل

 

قررت السلطة الفلسطينية مؤخرا شطب بند الدين من بطاقات الهوية الفلسطينية. وقد أثار هذا القرار ردود فعل متباينة بين مؤيد ومعارض. لذلك قد يكون من المناسب النظر لهذا الأمر بشيء من المراجعة العلمية، التاريخية والقانونية، الهادئة.

حاولت الدولة العثمانية إصدار أول بطاقات هوية في فلسطين (كجزء من الإمبراطورية العثمانية) بتاريخ 27 آب/ أغسطس 1914. كان الدين إلى جانب البيانات الأخرى التي تحويها بطاقات الهوية وفقا للقانون. كان الهدف هو التمييز بين المسلمين وغيرهم لغايات الخدمة العسكرية والأحوال الشخصية. لكن هذه المحاولة لم تؤدي، على ما يبدو، إلى إصدار بطاقات الهوية من الناحية الفعلية في فلسطين نظرا لاندلاع الحرب العالمية الأولى بعد وقت قصير من تبني قانون الأحوال المدنية العثماني، الذي كان يسمى "قانون النفوس".

 

طبعت بريطانيا أول بطاقات هوية فلسطينية في التاريخ يوم 12 تشرين الأول/ أكتوبر 1938 لكل مواطن فلسطيني ذكر يبلغ من العمر 16 عاما أو أكثر؛ النساء كن يعاملن من قبل الإنجليز وبالقانون كقاصرات تابعات للرجال سواء الآباء أو الأزواج. كان الدين يذكر، بشكل أساسي، في بطاقات الهوية من أجل التمييز بين العرب واليهود وبهدف إعطاء المزيد من الحقوق لليهود الفلسطينيين على حساب العرب الفلسطينيين، أي المسلمين والمسحيين.

 

أصدرت قوات الاحتلال الإسرائيلي بطاقات هوية إلزامية لكل مقيم ذكر (واختياري للإناث) في الضفة الغربية بتاريخ 8 كانون الثاني/ يناير 1969 وفي قطاع غزة وسيناء بتاريخ 25 تشرين الثاني/ أكتوبر 1971؛ بعد ذلك أصبحت بطاقات الهوية ملزمة للجنسين. وقد كان الدين ضمن بنود بطاقات الهوية. وكان الهدف واضحا: وهو التمييز بين الفئات الدينية المتعددة للفلسطينيين على أساس الدين، من جهة، وبين اليهود والعرب، من جهة أخرى. وهذا كان نتاجا طبيعيا على اعتبار أن إسرائيل دولة قائمة على أساس الدين. وقد استمرت بطاقات الهوية التي أصدرتها إسرائيل منذ ذلك الوقت حتى الآن، لكن مع تغيير اللون من البرتقالي للأخضر، وهذا ما أقرته اتفاقية أوسلو والتزمت فيه السلطة الفلسطينية حتى هذا الشهر.

 

بهذا نجد أن ذكر الدين في بطاقات الهوية هو نتاج للاستعمار وكان يستخدم من أجل التفريق بين الفلسطينيين ليسود المستعمر ويحكم بشكل أسهل. لذلك فمن الصائب أن يتم حذف بند الدين أخيرا من بطاقات الهوية الفلسطينية، وإن كان القرار متأخرا حوالي 76 سنة منذ العام 1938. هذا الأمر قد يقلل من حالات التمييز (سواء الإيجابي أو السلبي) ضد الفلسطينيين على أساس الدين. وهذا بدوره ينسجم مع حق الإنسان في ممارسة أو عدم ممارسة الشعائر الدينية وأن لا يوضع الإنسان في دائرة دين معين من دون إرادته من قبل الحكومة. فمن حق الإنسان أن يكشف عن دينية أو أن يضمره أو أن لا يؤمن أصلا بإرادته. فلا يجوز الإكراه على دين معين في بطاقة الهوية. وهذا ينسجم مع القانون الأساسي الفلسطيني الذي يساوي بين الفلسطينيين ويمنع التمييز بينهم على أساس الدين أو الجنس أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الرأي السياسي. كما يتفق ذلك مع معايير حقوق الإنسان الدولية، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والعهدين الدوليين.

 

قد نحتاج أيضا لإزالة بند مكان الميلاد (أي المدينة أو القرية) وأن نكتفي بفلسطين؛ لأن التمييز على أساس المنطقة الجغرافية هو محرم أيضا في القانون الفلسطيني وفي القانون الدولي. فهنالك تمييز واضح على أساس المنطقة الجغرافية في فلسطين على الصعيدين الشعبي والحكومي. وقد يتم التعرف على دين شخص من خلال البلدة التي ولد أو يقيم فيها. ففي لبنان، مثلا، هنالك خجل في أن يسأل شخص عن دين آخر، وبدل ذلك يسألون عن مكان السكن الذي يدل على دين أو طائفة معينه ليتم وضع الشخص بعد ذلك في قالب نمطي معين وأن يتم التعامل معه على ذلك الأساس. وفي فلسطين يتكرر ذات الأمر لكن بأشكال أخرى.

 

لا أعتقد أن إزالة الدين أو مكان الميلاد أو الإقامة سيغير الواقع العنصري في مجتمعنا الفلسطيني بشكل كامل، لكن ذلك قد يسهم في تخفيف مستوى التمييز. التمييز يمكن أن يمارس ضد شخص بناء على اسمه أو طريقة ملبسه أو لهجته... فالقضاء على التمييز عملية تربوية تعليمية قانونية اجتماعية قد تتطلب أجيالا لتحقيقها. ولكن من الضروري أن تبدأ عملية التغيير من الآن من أجل احترام الإنسان لكونه إنسان، لا لدينه أو لحيته أو جلبابها أو لطول شعرها أو مدينته أو قريته. ومن المفيد أن نبدأ ولو بشطب أحد أسس العنصرية من بطاقات الهوية.

الكاتب: lana بتاريخ: السبت 15-02-2014 06:58 صباحا  الزوار: 2084    التعليقات: 0



محرك البحث
الحكمة العشوائية

القِـدْر الكبيـر يتسـع للكبيـر.‏
تطوير تواصل بإستخدام برنامج البوابة العربية 3.0 Copyright©2012 All Rights Reserved